المنشور

التعديلات الدستورية والمصالحة الوطنية



تقديم :
 
 منذ الإعلان عن تقرير لجنة تقصي الحقائق كثر الحديث عن المصالحة الوطنية في البحرين  إذ اعتبرته فعاليات عديدة ومختلفة بأنه يفتح مصالحة وطنية بين كافة الأطراف ، بل انه ينقل البحرين إلى مرحلة جديدة ، وفى 9 يناير 2012 أطلق مجلس الشورى ما سمي “بوثيقة المصالحة الوطنية” كبادرة أولى حسبما أعلن عنها بهدف تصفية النفوس من اجل تعزيز الوحدة والمحبة والوئام بين أبناء الوطن من اجل البحرين وتخطى تداعيات الأزمة المريرة التي مررنا بها غير أن هذه الوثيقة لم نرى منها سوى توقيعات التأييد لها من أعضاء مجلس الشورى ، وحاولنا التعرف على ما احتوت عليه من نصوص ومبادئ من خلال الصحافة أو من خلال الموقع الالكتروني لمجلس الشورى الذي انطلقت منه ، إلا انه يبدو إنها مازالت سرية طي الكتمان ، ووثيقة تصدر هكذا منعدمة الشفافية لا يمكن لها أن تحقق مصالحة حقيقية في مملكة البحرين.
 
   غير إننا نعتقد جازمين أن للمصالحة الوطنية أن أريد لها أن تكون حقيقية ، فاعلة ومنتجة لها أسس لا تقوم إلا بها وهي متعددة وفي الطليعة منها الرجوع لمسببات الأزمة  ومعالجتها  كأساس أول للمصالحة الوطنية ، ولا شك أن  من ابرز مسببات الأزمة السياسية في البحرين هو إصدار دستور 2002، ليس على خلاف التعهدات التي صدرت قبل التصويت على ميثاق العمل الوطني من كبار المسئولين في الحكم فحسب بل على خلاف ما نص عليه الميثاق نفسه ، و ظلت القوى السياسية المعارضة طوال عشر سنوات من عمر المشروع الإصلاحي تطالب بإعادة الاعتبار لما نص عليه ميثاق العمل الوطني استشرافات المستقبل ، وإعادة النظر في الاختصاص التشريعي على نحو يجعل من المجلس المنتحب وحده المختص بالعملية التشريعية.
 
التعديلات الدستورية لا تساهم في الخروج الأزمة :
 
 هل جاءت التعديلات الدستورية في مستوى تجعل منها أساسا لمصالحة وطنية ، تساهم في الخروج من الأزمة السياسية ؟ نسارع في الإجابة ( بلا ) رغم ما احتوته هذه التعديلات من بعض الايجابيات ، ذلك أن هذه التعديلات جاءت بناء على ما توصل إليه حوار التوافق الوطني في المحور السياسي المتعلق بموضوع صلاحيات المجلسين الشورى والنواب وقلنا حينها  ( فإنها لا تؤدي إلى الخروج من الأزمة السياسية ولا تجعل من التمثيل التشريعي فعالا ) ، ولا تصل إلى مستوى المبدأ الأول من المبادئ السبع التي وردت في مبادرة ولي العهد وهو ( مجلس نواب كامل الصلاحيات ) .
    وإذا كنا في المنبر التقدمي ننطلق في تحديد الموقف من هذه التعديلات من وثيقة الإصلاح الدستوري التي أصدرها عام 2007، والتي أكد فيها من ضمن ما أكد عليه على ضرورة حصر التشريع في المجلس النيابي المنتخب، وهو ما تؤكد عليه كل القوى السياسية المعارضة في البحرين فإن قراءتنا للتعديلات الدستورية هي كما يلي :
 
1-    أن مشروع التعديلات الدستورية بما أشتمل عليه من تعديل للمادة (52) بحيث يتم تعيين أعضاء مجلس الشورى، بأمر ملكي يحدد فيه الطريقة والإجراءات والضوابط التي تحكم عملية اختيار الأعضاء أو تعديل للمادة (53) بما نصت عليه من اشتراط جديد في عضو مجلس الشورى  هو مضى خمس سنوات على الأقل على نيله الجنسية البحرينية، وأن يكون غير حامل لجنسية دولة أخرى من غير الدول الأعضاء بمجلس التعاون لدول الخليج العربية، أوللمادة67 الفقرة (د) من الدستور بحيث ينفرد مجلس النواب بالتصويت على مسألة عدم إمكان التعاون مع رئيس مجلس الوزراء من دون مشاركة من مجلس الشورى، أو للمادة 86 ، بحيث أصبح رئيس مجلس النواب بدلاً من رئيس مجلس الشورى هو المختص بإحالة مشروعات القوانين التي تتم الموافقة عليها من المجلسين إلى رئيس مجلس الوزراء لاتخاذ إجراءات إصدارها، هي تعديلات لا تمس ما نص عليه الدستور من اختصاص تشريعي لمجلس الشورى وهو جوهر المشكلة الدستورية .
 
ونشير هنا إلى أن مجلس النواب في الفصل التشريعي الماضي تقدم باقتراح بتعديلات دستورية تضمن تعديل المواد (83) و(86) و(102) بحيث يكون رئيس مجلس النواب بدلا من رئيس مجلس الشورى هو من يحيل مشروعات القوانين لرئيس مجلس الوزراء،ويرأس اجتماعات المجلس الوطني فرفضته الحكومة وبررت ذلك بأنها تتعلق بنظام المجلسين الذي حظر الدستور تعديله بموجب المادة (120/ج) من الدستور .
 
2-    رغم أن الاقتراح برغبة هو أضعف وسائل الرقابة البرلمانية فأن التعديل الدستوري المتعلق به بتحديد مدة زمنية هي ستة أشهر لرد الحكومة على الاقتراحات برغبة حسب المادة (68/ أ) جاء ملتبسا لأن ظاهره يحدد هذه المدة فقط عند تعذر الحكومة على  الأخذ بهذه الرغبات، في وقت كان يجب أن تكون هذه المدة تشمل حالتي الأخذ بالرغبات أو عدم الأخذ بها، ، وأن استحداث التعديل في  ذات المادة البند ب وسيلة جديدة من وسائل الرقابة، وهو طرح موضوع عام للمناقشة لاستيضاح سياسة الحكومة في شأنه هي وسيلة جديدة بحسب التعديل لكنها وسيلة قديمة كان دستور 1973 قد نص عليها. .
وتجدر الإشارة هنا إلي التعديلات الدستورية التي تقدم بها مجلس النواب في الفصل التشريعي الماضي قد اشتملت على تعديل لهذه المادة بوضع مدة زمنية لرد الحكومة على الاقتراحات برغبة هي ثلاثة أشهر غير أنها رفضت هذا التعديل بحجة انه ( غير سديد وغير منتج ولا مؤثر في شأنه ولا يدعو إلى قبوله بالمرة وأنه ينطوي على مصادرة للشرعية الدستورية لأنه يرجع إلى الرغبة في تعديل المادة (127) من اللائحة الداخلية).
 
3-     ويأتي في هذا الإطار أيضا ما اشترطته  المادة (57) البندان ( أ، ج ) من شروط جديدة  في عضو مجلس النواب أبرزها أن يكون حاصلا على شهادة البكالوريوس أو الليسانس من إحدى الجامعات المعترف بها أو ما يعادلها، ويبدو أن هذا التعديل سيكون هو التعديل الوحيد الذي سيعترض عليه مجلس النواب .
وكذلك بما جاءت به المادة (59) من تنظيم في حال خلو محل أحد أعضاء مجلس النواب قبل نهاية مدته، لأي سبب من الأسباب بحيث إذا خلا محل أحد أعضاء مجلس النواب قبل نهاية مدته، ، يحل محله الذي حصل على أعلى الأصوات بعده، وذلك خلال خمسة عشر يوما من تاريخ إعلان المجلس هذا الخلو.فإن لم يوجد من يحل محله ينتخب بدل له خلال شهرين من تاريخ إعلان المجلس هذا الخلو، فإذا وقع الخلو خلال الأشهر الستة السابقة على انتهاء الفصل التشريعي للمجلس، ولم يكن هناك من يليه في عدد الأصوات الصحيحة، فلا يجرى انتخاب عضو بديل وفي جميع الأحوال تكون مدة العضو الجديد إلى نهاية مدة سلفه.
 
4-   .  وإذا كان هناك من إيجابية في التعديلات الدستورية بما نصت عليه المادة (67) البنود (ب، جـ، د) والمتعلقة بعدم إمكان التعاون مع رئيس مجلس الوزراء إذ أصبح لعشرين عضواً من أعضاء مجلس النواب التقدم به بدلا من ثلثي الأعضاء ، وأصبح إقراره لمجلس النواب وحده بدلاً من المجلس الوطني بأغلبية الثلثين ويرفع الأمر إلى الملك للبت فيه، بإعفاء رئيس مجلس الوزراء وتعيين وزارة جديدة، أو بحل مجلس النواب ، فإن هذه الإيجابية لن تتحقق في الواقع ، فإذا كانت الأغلبية العادية لمجلس النواب هي محصنه بالنظام الانتخابي  الغير عادل يصعب تحقيقها فكيف يمكن أن تتحقق في ظل هذا النظام أغلبية الثلثين لإقرار عدم أمكان التعاون مع رئيس الوزراء ؟ ، وهذه الإيجابية لا تقارن بما نصت عليه المادة 69 الفقرة الأخيرة  من دستور 1973 التي نصت على أنه إذا حل المجلس وتجددت تولية رئيس مجلس الوزراء المذكور ولكن قرر المجلس الجديد ، بأغلبية الأعضاء الذين يتألف منهم ، عدم التعاون معه كذلك ، اعتبر معتزلا منصبه من تاريخ قرار المجلس في هذا الشأن ، وتشكل وزارة جديدة.. 
 
5-   أن تعديل المادة (87) المتعلقة بمشروع القانون الذي ينظم موضوعات اقتصادية أو مالية، وتطلب الحكومة نظره بصفة عاجلة، بجعل مدة البت فيه خلال خمسة وعشرين يوماً لكل من مجلسي  النواب والشورى، ثم للمجلس الوطني في حالة الاختلاف أي بمدة مجموعها خمسة وسبعين يوما، فإذا لم يتمكنوا من البت فيه  خلال هذه المدة جاز للملك إصداره بموجب مرسوم له قوة القانون وذلك بدلاً من مدة خمسة عشر يوما أي بمدة مجموعها خمسة وأربعين يوما كما ما هو منصوص عليه قبل التعديل، لا يغير من حقيقة ما أكده المنبر التقدمي في وثيقته للإصلاح الدستوري من أن هذا النص دخيل على الفقه الدستوري ولا مثيل له في دساتير الدول البرلمانية وليس من داعٍ لوجوده ويتعين إلغاءه، إذ يكفي الحكومة أن تطلب نظر هذا المشروع بصفة مستعجلة دون حاجة لمثل هذا النص، كونه يوسع من دائرة إصدار المراسيم بقوانين التي يقتصر إصدارها في حالة غيبة المجلس ولضرورة لا تحتمل التأخير.  وما أكثر المراسيم بقوانين التي صدرت خلال أجازات المجلس دون أن يتوافر فيها شرط الضرورة والاستعجال ، ولعلكم تذكرون انه من على هذه المنصة ناقشنا ثلاثة مراسيم بقوانين صدرت في 14 نوفمبر 2010  ونحن على عتبة افتتاح الفصل التشريعي الثالث للمجلس الوطني دون أن يتوافر لها ركن الضرورة اللازم لإصدارها ، الأول مرسوم بقانون لسنة 2010 بشأن تعديل بعض أحكام قانون ديوان الرقابة المالية والثاني مرسوم بقانون لسنة 2010 بتعديل بعض أحكام قانون الجمعيات والأندية الاجتماعية والثقافية والهيئات الخاصة العاملة في ميدان الشباب والرياضة والمؤسسات الخاصة والثالث مرسوم بقانون لسنة 2010 بتعديل بعض أحكام القانون رقم (11) لسنة 1975 بشأن جوازات السفر. بل يتم الاستمرار في إصدار مثل هذه المراسيم كمرسوم بقانون تعديل قانون النقابات   يوم 9 أكتوبر 2011م، وهو ذات اليوم الذي افتتح فيه دور الانعقاد العادي الثاني من الفصل التشريعي الثالث لمجلسي الشورى والنواب.
 
6-   كما يلاحظ انه على الرغم من ايجابية  ما نصت عليه المادة (92) البند (أ) من تعديل بالنص على تحديد مدة ستة أشهر على الأكثر للحكومة لتحيل خلالها الاقتراح بقانون بعد وضعه في صيغة مشروع قانون إلي مجلس النواب، فأن المنبر التقدمي يؤكد ما سبق وأن أكده في وثيقة الإصلاح الدستوري بأن صياغة الاقتراح بقانون يتعين أن تكون من اختصاص البرلمان وله أن يستعين في هذه الصياغة بالخبراء دون تدخل من الحكومة أو إحالته إليها. 
وكان مجلس النواب في اقتراحه بتعديل الدستور في الفصل التشريعي الماضي أشتمل على تعديل هذه المادة بتحديد مدة لا تجاوز خمسة أشهر لإحالة الحكومة مشروع تعديل الدستور أو القانون إلى السلطة التشريعية ، وبررت الحكومة رفض هذا التعديل بأنه ( يفتقر إلى الضرورة العملية المبررة له) .
 
7-    وإذا كانت التعديلات الدستورية قد أضافت جانباً ايجابياً لتعزيز الاختصاص الرقابي لمجلس النواب  على أعمال الحكومة من خلال  إضافة فقرة جديدة إلى المادة (46)، تقضي بأن يقدم رئيس مجلس الوزراء برنامج الحكومة خلال ثلاثين يوماً من أداء اليمين الدستورية إلى مجلس النواب، فإن اشتراط هذه الفقرة توافر أغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب إذا أصر المجلس على رفض البرنامج للمرة الثانية، ينال من هذه الايجابية، إذ يتعذر في الواقع توافر مثل هذه الأغلبية في ظل تركيبة المجلس الراهنة بسبب يعود إلى طبيعة النظام الانتخابي الذي جرى تفصيله بمقاس لا تحقق فيه أغلبية معارضة. 
  
8- وبالمثل فان اشتراط الفقرة الثالثة الجديدة المضافة  إلى المادة (65) بوجوب موافقة أغلبية أعضاء مجلس النواب لمناقشة الاستجواب داخل المجلس، يعني أن مناقشة الاستجواب في اللجان تظل قائمة في حالة عدم توافر هذه الأغلبية  وهو وضع منتقد، إذ يكفي حسبما تنص عليه هذه الفقرة بإحالة رأي اللجنة المشكلة في مدى جدية الاستجواب وسلامته الدستورية إلى المجلس للتصويت عليه دون مناقشة، ومن ثم تتم مناقشة الوزير المستجوب داخل المجلس .
 
الخلاصة :
 
 تعمدنا الإشارة إلى التعديلات الدستورية التي سبق وان تقدم بها مجلس النواب في الفصل التشريعي المنصرم وهي لا تختلف كثيرا عن التعديلات الراهنة التي طرحتها الحكومة لبيان إلى أي مدى أن مشرع الحكومة سواء كان دستوريا أو قانونيا يستطيع أن يتلاعب في نصوص الدستور بطريقة ملتوية وبالطريقة التي يريدها ، فبعد أن كانت هذه التعديلات محظورة لأنها كما تقول الحكومة ( تتعلق بنظام المجلسين الذي حظر الدستور تعديله ، وأنها جاءت على خلاف ما تقتضيه أحكام الدستور من ثبات نسبي لا تكفي له الفترة الزمنية المنقضية من عمر الدستور الحالي للمملكة ، وتتعارض مع مبدأ سمو الدستور أي علوه وسيادة أحكامه ) أصبحت هذه التعديلات الآن بقدرة قادر ممكنة ويجوز التطرق إليها. كما أردنا من هذه الإشارة بيان مدى عدم قدرة مجلس النواب على إجراء أي تعديل دستوري ما لم يكن مصدره الحكومة 

 أن هذه التعديلات ، لا تحقق ما ندعو إليه من إصلاح دستوري ناجز يحقق الفصل بين السلطات، ويؤدي إلى مجلس تشريعي كامل الصلاحية، ولا يعادل حجم التضحيات التي قُدمت في سبيله.  ولا تحقق مصالحة حقيقية   ولا تعبر تعبيرا حقيقيا عن إرادة الشعب ، وليس هناك من اصدق تعبير لهذه الإرادة سوى الاحتكام إلى الاستفتاء الشعبي . 



 
( الورقة قدمت في الندوة المشتركة لجمعيات التيار الديمقراطي – مقر جمعية  وعد – 1 فبراير 2012 )