المنشور

مجلسنا النيابي والفسـاد


لا نعرف كم عدد البرلمانات في العالم التي يختار أعضاؤها أن يقفوا بأنفسهم ضد توسيع صلاحياتهم التشريعية والرقابية، فمن المؤكد أن مثل هذه البرلمانات موجودة في بلدان أخرى، لكن ما نعرفه، معرفة اليقين، أن مجلس النواب البحريني أرسل ويرسل إشارات ساطعة على أنه، وبامتياز، واحد من هذه البرلمانات، حين قرر أعضاء إحدى لجانه، وهي اللجنة التشريعية، وبمحض إرادتهم، هذا في حال افترضنا حسن النية، أن يرفضوا مقترحاً  نيابياً بتشكيل هيئة عليا لمكافحة الفساد.
 
وحسب بيان المنبر التقدمي الصادر منذ يومين فان هذا الموقف  أفصح بوضوح عن عدم جدية غالبية الكتل النيابية في التعاطي مع قضية من أهم القضايا التي تؤرق مجتمعنا وتسمح بمصادرة ثرواته والتعدي على ممتلكاته العامة، وهو ذات الموقف الذي تكرر مراراً من قبل المجلس بشكل عام خلال السنوات الأخيرة، والذي يأتي على عكس المطالبات الشعبية الواسعة الداعية لوقف الفساد ومحاسبة الفاسدين، وضد التوجه الذي أضحى مُتبعاً في العديد من دول الديمقراطيات العريقة والناشئة على حد سواء تحقيقاً لمساءلة وملاحقة العابثين بالمال العام.

  ليست لدينا أوهام كبيرة على أن هذه الهيئة العليا لمكافحة الفساد، حتى لو تشكلت، ستحقق المعجزات، ولكن، في كل الأحوال، فان وجودها سيكون أمراً محسوباً لصالح المجلس، وخطوة في الاتجاه الصحيح، يتعين العمل بعدها على أن تقوم هذه اللجنة بدورٍ ما في محاربة أوجه الفساد المتفشية في مفاصل إدارية كثيرة في الدولة.
 
رغم ذلك فان اللجنة النيابية المذكورة هربت من هذا الاستحقاق، لتكشف بهذا السلوك عن غياب الجدية في مكافحة الفساد، وهو أمر يجد له تعبيرات في مسائل عديدة، ومن الأمثلة الساطعة على ذلك  كيفية تعاطي المجلس مع النتائج الخطيرة التي أظهرها، ويُظهرها سنوياً، تقرير ديوان الرقابة المالية والإدارية الذي يكشف، في كل سنة، كماً مريعا من وجوه الفساد والتجاوزات المالية والإدارية والتي تضخمت كثيرا خلال السنوات الأخيرة.
 
وأمر بالغ الدلالة أن هذا التضخم في معدلات الفساد والتجاوزات يتم في ظل وجود مجلس نيابي منتخب يفترض أن يقوم بدوره الرقابي على أحسن وجه، لكن المفارقة أن  التقرير الأخير هو الأضخم ضمن سلسلة التقارير التي صدرت حتى الآن، نظراً للتراخي الفاضح تجاه التعدي على المال العام  وإضاعة الموارد والتسيب الإداري والمحسوبية.

  فقد اختفت لجان التحقيق النيابية وانعدمت الجدية المطلوبة والمساءلة في متابعة ملف الفساد، مما سمح لقواه في مختلف أجهزة الدولة ووزاراتها أن ترتكب هذه المقادير المتزايدة من التجاوزات المالية والإدارية، التي تتكرر أوجهها في كل التقارير، في ظل غياب أية متابعة لمحاسبة المسؤولين وتصحيح الأخطاء والتعديات.
 
في بيانه المذكور دعا المنبر التقدمي، بهذا الخصوص، إلى  وقفة صارمة من اجل استعادة موارد الدولة وممتلكاتها وتحجيم المديونية العامة للدولة بدلا من السماح بتضخمها بشكل غير مسؤول، وتقديم المتجاوزين والفاسدين للنيابة العامة تحقيقا للمساءلة، واستعادة الممتلكات والثروات المصادرة، على أن تبدي السلطتان التشريعية والتنفيذية حزماً تجاه الموقف من الفساد والتعدي على المال العام  حماية لثروات الوطن، وحفاظا على نصيب الأجيال القادمة في هذه الثروات.