المنشور

طاقاتنا الفنية المعطلة


على مدار مدى زمني طويل من التحول الثقافي والاجتماعي في البحرين، تشكلت حركة إبداعية في مجالات الإبداع المختلفة، بما فيها مجالات المسرح والسينما والدراما التلفزيونية، وبرزت أسماء لافتة من المبدعين البحرينيين الذين تخطى عملهم وصيتهم النطاق المحلي المحدود إلى الأفق الخليجي، كما برزوا عبر مشاركاتهم في الفعاليات والمهرجانات العربية ذات الصلة.
 
وهؤلاء الفنانون يشكلون ثروة بشرية للوطن أن يفخر ويتباهى بها، فأية موهبة، في أي مجال، تظهر في مجتمع من المجتمعات هي مدعاة لأن يعتز بها هذا المجتمع، ويحرص على رعايتها وتوفير ظروف عطاءها وتطويره نحو الأفضل.
 
وجرى النظر إلى البحرين دائماً بصفتها بيئة معطاء في المجال الإبداعي، مما منحها صيتاً هي جديرة به، وجرى النظر إلى العطاء الإبداعي في البلاد كعلامة على خصوبة وأصالة تطورها الاجتماعي والوعي السياسي لشعبها، مما جعل من البحرين، لفترة طويلة، حالة متقدمة في محيطها الخليجي، علينا أن نستعيدها أو نحافظ على مقوماتها ونعيد تثميرها.
 
من تداعيات الأحداث التي شهدتها البحرين منذ بدايات العام الماضي أن وجد العديد من هؤلاء المبدعين أنفسهم وقد فقدوا وظائفهم في الهيئات التي يعملون فيها، وبشكل خاص في هيئة شؤون الإعلام، وبين هؤلاء مخرجون سينمائيون ومسرحيون ومخرجو برامج إذاعية وتلفزيونية، وغيرهم من ذوي المواهب في مجالات إبداعية أخرى.
 
بعض هؤلاء كانوا موظفين دائمين وبعضهم من ذوي العقود المؤقتة، والعديد منهم كانوا موعودين بتثبيتهم في وظائفهم، حتى عصفت بالبلد الأحداث التي نعرفها، وطال هؤلاء الفنانون من إجراءات الفصل والتوقيف ما طال الكثيرون في مواقع مختلفة.
 
اليوم وعلى الرغم من صدور التوجيهات الحكومية المُلزمة بإعادة المفصولين والموقوفين إلى أعمالهم، وبدء عودة الكثيرين منهم، لم يعد أحد من هؤلاء إلى عملهم، رغم مراجعاتهم المستمرة ومخاطباتهم للجهات المعنية، كما أن موضوعهم طرح في اجتماعات لجنة متابعة تنفيذ توصيات تقرير اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق.
 
لا يصح أن تكون هذه الشريحة من المفصولين شريحة مسكوت عن معاناتها، ويجب أن تحل على وجه السرعة، خاصة وأن العديد من هؤلاء ظُلم مرتين، المرة الأولى عندما ظلوا لعدة سنوات في نطاق موظفي العقود المؤقتة مع أن عطاؤهم لا يقل عن عطاء زملائهم المثبتين، وكان يتعين معالجة هذا الغبن بتحويلهم إلى موظفين دائمين، كما أنهم ظلموا مرة ثانية بإنهاء خدماتهم وقطع مصادر أرزاقهم.
 
وليس مقبولاً القول بأن إنهاء خدماتهم جاء لانتفاء الحاجة إليها كما تنص على ذلك عقود العمل المؤقتة المبرمة معهم، فتوقيت اجراءات إنهاء خدماتهم جاء متلازماً من حيث التوقيت مع بدء اجراءات الفصل والتوقيف التي تمت في الوزارات والشركات المختلفة، كما انه هنا أيضاً اتخذ صفة الفصل أو التوقيف الجماعي، فالحديث لا يدور عن حالات فردية محدودة، وإنما عن أعداد كبيرة، وهذا أمر سبق أن تعرضنا له في هذه الزاوية مراراً، خاصة عند حديثنا عن مفصولي العقود المؤقتة.
 
إن الأنظار موجهة نحو إجراءات سريعة مطلوبة لرفع الغبن الواقع على أفراد هذه الشريحة، وإنهاء معاناتهم بإعادتهم إلى أعمالهم، وتأمين مصادر أرزاقهم التي قطعت.