المنشور

معنى أن يعود الناس إلى أعمالهم


جيد أن أعداداً كبيرة من المفصولين عادوا إلى أعمالهم بعد شهور من قطع أرزاقهم، وجيد أيضاً أن هناك أعداداً أخرى ستعود في القريب، ففي هذا تصحيح لخطأ قد وقع، ومعالجة لملف إنساني أرَّق ويؤرق الكثيرين، ليس من المفصولين وحدهم وإنما من أفراد عائلاتهم ومن يعيلونهم، فما أقسى أن يجد الإنسان نفسه بدون عمل، وأن يكون عاجزاً عن إعانة أطفاله وأفراد عائلته.
 
لكن هذه العودة للعمل تبقى ناقصة في الكثير من الحالات، ليس فقط لأن الكثيرين لم يعودوا لأعمالهم، كما تنص على ذلك توجيهات جلالة الملك والجهات الحكومية المختصة، وإعمالاً لما نص عليه تقرير لجنة تقصي الحقائق، وتجاوباً مع الجهود التي تبذلها لجنة متابعة تنفيذ هذه التوصيات، وبخاصة جهود رئيسها علي صالح الصالح، وإنما لأن عودة من عادوا لأعمالهم شابتها في حالات كثيرة وجوه معاناة جديدة، كأن بعض جهات العمل، بما فيها الجهات الحكومية، سوَّتْ مشكلة لتخلق مشكلة، وربما مشاكل أخرى.
 
فالكثيرون ممن عادوا مع مطالع هذا الشهر وجدوا أنفسهم بدون مكاتب، ذلك أن مكاتبهم التي كانوا فيها شغلها آخرون فترة فصلهم، كما أن الكثيرين من هؤلاء هم حتى هذه اللحظة بدون مهام يمارسونها، فتراهم يذرعون ممرات الجهات التي يعملون فيها منذ بداية الدوام في الصباح  وحتى نهايته، وفي هذا ضرب من “المرمطة” والإهانة لا يصح أن تستمر وأن يجري السكوت عنها.
 
التوصية الواردة في تقرير لجنة تقصي الحقائق بخصوص المفصولين واضحة فيما تنص عليه من ضرورة عودة المفصولين عن أعمالهم بسبب ممارستهم لحقهم في إبداء الرأي، والعودة للعمل تعني بدرجة أساسية أن يعود هؤلاء إلى أعمالهم التي كانوا عليها قبل فصلهم، وليس صحيحاً، في هذه الحالة بالذات، القول أن من حق جهة العمل أن تسند إلى  عمالها أو موظفيها ما تراه مناسباً من مهام وأعمال.
 
هذا القول صحيح تماماً في الظروف الاعتيادية، ولكننا اليوم بصدد حالة استثنائية جرى فيها فصل موظفين وعمال من أعمالهم كعقوبة على مواقف اتخذوها، وبالتالي فان إعادة تدوير وظائفهم وأماكن عملهم بعد إلغاء قرار الفصل، لا يمكن تفسيره، في الظرف الملموس الذي نحن بصدده، إلا انه ، هو الآخر، شكل من أشكال العقوبة أيضاً، أو استمرار لها.
 
يشكو عمال وموظفون آخرون من إجبارهم على توقيع تعهدات أو استمارات لا ضرورة لها، لأنها تبقيهم في دائرة المرتاب في أمرهم، وهذا أمر لا يستقيم مع سوية الأمور، فكل موظف مطالب باحترام أنظمة العمل، وليس هو في حاجة لإثبات ذلك بتعهدات، فهذا مدرج في عقود العمل وفي أنظمة الخدمة المدنية، ولجهة العمل أن تتخذ ما ينص عليه القانون من جزاءات إن هو خالف ذلك.
 
 ولكن تقرير لجنة التحقيق المستقلة برأ المفصولين من مخالفة الأنظمة حين صنف التهم الموجهة إليهم على أنها تندرج في إطار التعبير عن حرية الرأي، وأوصى بإعادتهم على أعمالهم دون أن يشترط لذلك قيوداً أواجرءات أخرى، لذلك يتعين العمل بنص وروح التوصية، التي لشدة وضوحها، لا تحتمل اجتهادات مختلفة في تأويل معناها.