المنشور

هل نستبدل الاستبداد بآخر – 2


استوقفني تقرير لمنظمة العفو الدولية تنتقد فيه قيام رئيس وزراء تونس الجديد بتعيين رؤساء تحرير في التلفزيون الرسمي، معتبرة ذلك خطوة غير ديمقراطية في بلد بالكاد تخلص من نظام حكم استبدادي، ويُشرع في عملية التحول نحو الديمقراطية، أو هكذا يُفترض. لكن التقرير نفسه يُشير إلى أمر شديد الأهمية هو أن هذا الإجراء الذي وصفته المنظمة بأنه مؤشر خطير لانتهاك حرية التعبير في البلاد، قوبل باحتجاجات واسعة لمئات الصحفيين الذين تجمعوا أمام مكتب رئيس الوزراء للاحتجاج على هذه الخطوة مطالبين بالتراجع عنها.

ورفع الصحافيون شعارات تطالب الحكومة بعدم السعي لتركيع الإعلام ورفع يدها عنه، معتبرين أن هذه التعيينات تذكر بعهد الرئيس السابق بن علي الذي كان يمسك الإعلام بقبضة من حديد، فيما قالت جهات حقوقية، إنه في حال ظلَّ الإعلام صوتا للحكومة، فان تونس لن تخرج من المنظومة التي سادت فيها سابقاً.

هذا الخبر استوقفني لأمرين على الأقل، وأنا أفكر في مخاطر استبدال استبداد عربي بآخر في البلدان التي شهدت التغييرات في العام الماضي، وأول هذين الأمرين هو ما ذهبنا إليه في الحلقة الأولى حول هذا الموضوع من خشية أن يفكر من استووا إلى السلطة في نتيجة الانتخابات التي جرت في بعض هذه البلدان في إعادة إنتاج ذات الممارسات غير الديمقراطية للأنظمة التي أسقطتها الانتفاضات الشعبية، وليس الاستحواذ على وسائل الإعلام إلا أحد هذه الممارسات الفاقعة.

فأن يقوم رئيس حكومة يُمثل الإسلام السياسي بتعيين مسؤولين ومحررين من حزبه على رأس الإعلام، يعني الاستمرار في «أدلجة» الإعلام وتأميمه، وهو في هذا السلوك لا يختلف عن نهج نظام زين العابدين في الإمساك بمفاصل الدولة ووسائل تكوين الرأي العام، فيما المفروض أن الإعلام العمومي صوت للجميع وأن يتيح المجال لكل التيارات لا أن يكون صوتا للحكومة فقط.

أما الأمر الثاني في الأمر فهو احتجاج مئات الصحافيين على هذا الإجراء، وهذا لا يؤشر فقط إلى قوة المجتمع المدني في تونس فحسب، وإنما إلى مناخ الحرية الذي أتاحته التحولات التي جرت في البلاد، مما يوصلنا إلى بيت القصيد، وهو أن الممارسة الديمقراطية في مجتمعٍ حر غير مكبل قادرة على تصحيح أي تجاوز للديمقراطية، ومنع الراغبين في صنع أشكال هيمنة، جديدة في الشكل وقديمة في الجوهر، من التمادي في نهجهم.

وفي كل الأحوال فإن هذه معركة يجب أن تُخاض. فالديمقراطية لا تتأسس بالانتخابات وحدها، وإنما بتكوين الحوامل أو الرافعات الاجتماعية والسياسية لها، والتي لا مناص لها من أن تلتزم بشروط الحداثة والمدنية، وإلا فانها ستبُقينا في دائرة المراوحة في المكان نفسه، بل قد تحمل مخاطر الارتداد عن قيمٍ ومكتسبات حققتها الدولة القطرية العربية في المراحل السابقة، رغم كل التشوهات التي اعترت سلوك هذه الدولة.

وتعد تونس بالذات مختبراً لهذه الخيارات والتحديات لما لها من فضل الريادة في أمور كثيرة، ليس أولها الموقف من حقوق المرأة، وليس آخرها أنها البلد الذي منه انطلقت شرارة التغيير، ربما لأن منجزات الحداثة فيها أهلتها له قبل سواها.


 
12 يناير  2012
وللحديث صلة. 



هل نستبدل الإستبداد بآخر؟


1