المنشور

هل نستبدل الإستبداد بآخر؟


هناك خشية تتزايد في أوساط سياسية وفكرية في البلدان العربية من أن يؤدي سقوط الاستبداد في بعض البلدان العربية التي شملتها موجة التغييرات التي شهدناها في العام المنقضي إلى نشوء استبداد جديد تُمثله مخرجات الانتخابات التي جرت وستجري في هذه البلدان، وهي خشية لا يصح الاستخفاف بها لأسباب عدة.
 
من بين هذه الأسباب هشاشة التقاليد الديمقراطية في البلدان العربية عامةً، بما فيها تلك البلدان التي كانت أكثر قابلية وجاهزية للتغيير، بعد عقد طويلة من سطوة الاستبداد التي اقتلعت أي غرسه تكاد تنمو للديمقراطية، بل أن هذا الاستبداد نفسه، كما هو الحال في مصر، قام على وأد بواكير التحولات نحو الديمقراطية بين مطالع ومنتصف القرن العشرين، حين أدى حكم الضباط الأحرار إلى تصفية الحياة الحزبية في البلاد.
 
ومن هذه الأسباب غياب أو ضعف الحامل الاجتماعي والسياسي للديمقراطية، فالقوى التي حملتها وستحملها الانتخابات في البلدان العربية قادمة من منابت غير ديمقراطية، ولم يُعرف عنها، فيما سبق، انفتاحها على الأفكار الأخرى، بل أنها في بُنيتها الفكرية والسياسية تحمل ميولاً إقصائية واستحواذية، رأينا تجليات كثيرة لها.
لا بد هنا من استدراكين: الأول ينطلق من بعض  المعطيات أو الإرهاصات التي يمكن القول أنها ما تزال جنينية عن توجهات بعض هذه القوى للتغلب على بُنيتها المُغلقة، والانفتاح على الممارسة الديمقراطية، من حيث هي في الجوهر قبول بالآخر، ولكن لأنها إرهاصات جنينية فلا بد من الانتظار لإختبار مدى جديتها وقابليتها للنمو والبقاء، وهذا يتطلب وقتاً قد يطول.
 
أما الاستدراك الثاني فيكمن في انه لا يجوز أن نوافق على استمرار الاستبداد القائم وتعطيل نمو الحياة السياسية بكسر حالة الجمود وتخثر الدماء في عروق النظام السياسي العربي بحجة الخوف من البديل المحتمل الذي قد لا يكون بالضرورة أفضل من القائم، وهذه فكرة سنتوقف عندها في حديثٍ لاحق.
 
الثقافة الديمقراطية في أي مجتمع لا تنفصل عن الممارسة الديمقراطية، وإذا كانت الأفكار تُمهد للتحولات، فان التحولات هي التي ترسخ الأفكار وتوطد دعائمها وتجعل منها نمطاً من الوعي والعيش، وبالتالي فإننا لا نتوقع أن تشيع الثقافة الديمقراطية في مجتمعٍ يهاب الممارسة الديمقراطية ويخشى ما ينجم عنها من مفاعيل.
أنظمة الاستبداد في الشرق، وعالمنا العربي جزء من هذا الشرق، روجت، وما تزال، أن شعوبنا غير جديرة بالديمقراطية، لأنها ليست ناضجة لها، فهي تتطلب وعياً وثقافة وتعليماً، ولكن هذه حجة العاجز أو الخائف من ولوج الممارسة الديمقراطية، لأنه يجد فيها تهديداً لمصالحه في الانفراد بالسلطة والثروة، فيما الديمقراطية تتطلب المشاركة والتقاسم في الأمرين.
 
الثقافة الديمقراطية تفترض الممارسة الديمقراطية، التي من خلالها نختبر قابليات الناس لأن يُحسنوا استخدام الديمقراطية، التي تتطور تدريجياً. والمجتمعات كافة، من خلال التدريب الديمقراطي، تتدرب على إدراك أهمية الديمقراطية وأهمية ما يقترن بها من مكتسبات، وأهمية أن تصبح هذه الديمقراطية ثقافة وتعليماً نتلقاهما في كل مفاصل الحياة، بما في ذلك في غرف البيوت وفي غرف الدراسة.
 
 للحديث صلة
10 يناير 2012