المنشور

لا مفر من الحل التوافقي


يجب النظر الى ما جاء في تقرير بسيوني نظرةً كُلية شاملة في تناوله لجميع الأمور التي بحثها، وأي معالجة سياسية وإدارية وحقوقية للقضايا التي وضع التقرير توصيات بشأنها يجب أن تنطلق من هذه النظرة الشاملة، فإن جرى إغفال أي جانب من الجوانب الواردة في هذه التوصيات، بقينا في نطاق المعالجات المجتزئة، وبعُدنا عما هو مطلوب اليوم في أن تكون هناك منظومة كاملة للحل.
 
 والأصل هو أن يكون الحل سياسياً يتناول أسباب الظاهرة ومقدماتها وليس فقط نتائجها أو تجلياتها، لكي نزيل الظروف التي أدت إليها، ونخلق الآلية السياسية والقانونية التي من خلالها نضمن التغلب على الوضع المأزوم والمشحون حالياً.
 
 الجميع مدعو، كل من موقعه، للتأكيد على العمل السلمي وتأكيد ما استقر عليه الوجدان العام لهذا الشعب من عيشٍ مشترك وتآخٍ، وهذا ما يمكن للمنابر الدينية والسياسية والتربوية أن تقوم به، بنبذ خطابات الشحن الطائفي وبث الكراهية ضد أي مكون من مكونات المجتمع، فالبلاد بحاجة إلى خطاب بناء مسؤول، لا إلى خطابات التحريض والتشفي.
 
 وتوصيات تقرير بسيوني اهتمت، فيما اهتمت به، بالجانب التربوي وهي ترسم خريطة طريق للمصالحة الوطنية المنشودة، من أجل تعزيز ثقافة التسامح والتربية الديمقراطية، وكما تدل تجربة كل المجتمعات، خاصة منها تلك التي اجتازت أزمات مشابهة لما نمر به، فانه لابد من تعزيز قيم المساواة والعدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص بين المواطنين، وإزالة الشعور بالغبن والإحباط الذي يخلق مزاجاً يائساً في المجتمع، وتربية الناس على العيش المشترك في مجتمع متعدد الهويات، لا سبيل أمام أبنائه سوى التعايش الخلاق، خاصة وأن البحرين تمتلك تراثاً يعتد به في هذا المجال، جرى الأضرار الكبير به في السنوات الأخيرة، ولابد من إستراتيجية بعيدة المدى لتحقيق هذه الأهداف لتدخل في صلب التنشأة الاجتماعية والسياسية.
 
كل تطوير في البنية التشريعية والدستورية في البلد يؤدي الى تحقيق هذا الهدف هو أمر حميد، بل إننا صرنا اليوم على دراية أوسع بمكامن الخلل والقصور في هذه البنية بعد اطلاعنا على تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق التي شخصتها بدقة، ووقفت عند التشريعات والنصوص التي تحتاج الى تعديل أو تغيير، واقترحت، إضافة إلى ذلك، استحداث تشريعات جديدة.
 
 لكن نية التطوير هذه لن تُغنينا عن ضرورة البحث في الأسباب والمساهمة في العلاج، فنحن إزاء ساعة مصيرية من تاريخ هذا الوطن، تضع على عاتق الجميع مسؤوليات جسام لكي لا يستمر انزلاق مجتمعنا إلى ما لا تحمد عقباه، والوقت لم يفت بعد لتحقيق ذلك بوجود إرادة خيرة لدى قطاعات كبيرة في مختلف المواقع تستطيع أن تدفع بقوة نحو خيار المصالحة الوطنية، وهو خيار بحاجة إلى تهيئة الأجواء له، بالإسراع في تسوية الملفات الأشد حيوية المتصلة بأرزاق الناس وحرياتهم في التعبير، وما زالت الأبصار معلقة على المزيد من الخطوات التي تساعد على تهدئة النفوس، وتفتح الطريق أمام تدابير إصلاحية جذرية لا يصح تأجيل استحقاقاتها، لإخراج البلد من مناخ الأزمة، ووضعها على طريق الحل التوافقي الذي لا مفر لنا جميعاً منه.