المنشور

نزيهــة.. إضـاءة في ذاكــرة الوطن

كانت نزيهة مرهون إحدى النساء اللواتي انخرطن في العمل الوطني دفاعا عن الحرية وحقوق المرأة البحرينية ونساء العالم. كان همها الأكبر هو أن يستوعب الوطن أبنائه وان تترسخ قواعد وأركان الحرية والديمقراطية في مجتمع آمن مستقر تصان فيه حقوق المرأة وكل الحقوق في ظل اتساع رقعة الإصلاحات التي تطلب أيضا الالتزام بالواجبات.
 
حياة الراحلة التي تعد إضاءة في ذاكرة الوطن يرويها وهو في ألم شديد بفقدانها احد الرفاق في منبرنا التقدمي: ولدت عام 1958في السنابس ونشأت وترعرعت بقرية الحجر وسط عائلة فقيرة مثقفة، تربيتها السياسية والوطنية تعود الى أخيها السيد ابراهيم ( ابو سلام) احد مناضلي هذه الأرض، وبالرغم من تلك الحياة الصعبة كانت متفوقة في دراستها المدرسية وفي ريعان شبابها انضمت الى صفوف جبهة التحرير، فبعد تخرجها من الثانوية العامة التحقت بجامعة البصرة ثم جامعة الصداقة بموسكو، في تلك المرحلة كانت نموذجاً طيباً على صعيد الحياة الطلابية والحزبية اذ كانت واسعة العلاقات الطلابية العربية منها والاجنبية وعلى وجه الخصوص أولئك المنحدرين من امريكا اللاتينية وافريقيا.
 
ويضيف عندما رجعت الفقيدة للبحرين لم ينقطع نشاطها الاجتماعي والسياسي رغم كل الظروف المريرة التي يعيشها الوطن وقتذاك.. كانت نشطة في جمعية فتاة الريف وفي الفترة الأخيرة من حياتها كانت نائبة رئيس الجمعية..
 
الجمعية التي ارتبطت منذ تأسيسها ارتباطا وثيقا بهموم المرأة والانفتاح والتقدم «كانت أحلامها وطموحاتها كثيرة في مقدمتها قانون موحد نير للأحوال الشخصية وان تتحقق مساواتها مع الرجل دون انتقاص أو تهميش وان تنال حقوقها الاقتصادية وهذا وفقا لقناعتها التي تصر عليها في كل مناسبة لا يتأتى الا بتطور التشريعات والقوانين والوعي عند المرأة والرجل. ومن بين تلك الأحلام أيضا تربية جيل جديد واع لقضايا الوطن ومخاطر الطائفية البغيضة التي اراد لها مروجو الكراهية في المجتمع ان تتفاقم منها مصالح ذاتية ضيقة مرفوضة.
 
في أيامها الأخيرة كانت تساؤلاتها الكثيرة لا تبارح الوطن ومن اجل الوطن. نعم كانت تتساءل لماذا يتحارب أبناء الوطن الواحد؟ ومن المستفيد من ذلك؟ لماذا الطائفية والمذهبية تمزق الوطن؟ لماذا كل هذا الاحتقان والتشظي السياسي والطائفي؟ لماذا التعصب والاندفاع نحو المجهول؟ لماذا لا تشيد وتبني وحدة وطنية حقيقية عمادها القانون الذي هو فوق الجميع؟ لماذا تسود لغة العنف؟ أليست البحرين واحة خضراء للعيش المشترك؟ لماذا يتم العبث بهذه الواحة التي غرس الأجداد أشجارها لتظلل الجميع؟ لماذا التمترس وراء شعارات وخطابات سياسية تثير التفرقة؟ أليست قيم المواطنة يجب ان تكون متساوية؟ هكذا كانت تساؤلاتها أشبه بالدوائر المنفتحة على الجميع.. هكذا ادركت دورها الوطني بما ينسجم وتحرر المرأة من ثقافة الجمود ونظام الوصاية.. وهكذا ايضا كانت تردد وبصوت عالٍ الوطن محفوظ في الصدور ومن حق الجميع ان يعشق الوطن.
وعندما كانت تصارع المرض الخبيث بجسارة كانت أكثر انشغالاً بقضايا الوطن وأكثر تفاؤلاً بالمستقبل وفي اطار هذا الصراع انتصر المرض وغابت عن الحياة أو كما قال رفيقها: غيب الموت الرفيقة نزيهة وودعت الحياة كما ودعها رفاق آخرون ولكنه وداع جسدي، حيث ظلوا جميعا بفكرهم وشغفهم للعطاء والتضحية وحبهم للعمل الجاد القائم على نكران الذات دافعا للمياه في النهر كي تكون هذه الارض خصبة خضراء. وقال ايضا: كانت تكره الأحقاد والكراهية ولغة القمع والازدواجية وتعدد الأقنعة. نزيهة رغم شدة ولوعة المرض الذي اخذ يغرس أنيابه الحادة في جسدها المنهك إلا أنها لم تتراجع ولو لحظة واحدة في تنفيذ فكرة فتح مقهى صغير في حديقة منزلها الصغيرة الغرض منه بث روح العلم والمعرفة والثقافة لدى بنات وأبناء القرية الصغار بغية رفع مستوى الوعي لديهم ولكن المرض لم يمهلها لتحقيق ذلك.

 التعازي لأسرة الراحلة وأقربائها وأصدقائها ولجمعية فتاة الريف ولمنبرنا التقدمي.
 
 
الأيام 7 يناير 2012