المنشور

إنزعاجات نتنياهو وهمومه الكابسة


في عرض سريع للجزيرة شاهدته يوم الثلثاء السابع من ديسمبر/ كانون الأول 2011، قبيل منتصف الليل، برز على الشاشة رئيس وزراء «إسرائيل» نتنياهو، وكان يبدو على وجهه حالة من التجهم وزيغان البصر. كان يدلي بتصريح، أو ربما كان يجيب عن سؤال سائل، عبر فيه عن انزعاجه من النجاح الكاسح للتيارات الإسلامية في الانتخابات المصرية، وغيرها من انتخابات تمت في دول الربيع العربي.
 
وفي سياق حديثه كشف نتنياهو عن همومه الكابسة، وأبدى قلقه العميق فيما يتعلق بمصير اتفاقية السلام، إن لم تكن اتفاقية استعمار بين «إسرائيل» ومصر، وطالب المسئولين المصريين أن يؤكدوا، على أن تحافظ الحكومة المصرية القادمة، أياً كان شكلها وطبيعة نهجها السياسي الذي ستلتزم به، أن تحافظ على اتفاقية السلام مع «إسرائيل»، وتتمسك باحترام وصيانة الاتفاقيات والمعاهدات الدولية.
 
ومن العجب أن نسمع نتنياهو، وهو يتبجح بكل صفاقة وسذاجة وكذب مكشوف ويلقي بحكمة المعتوه عن ضرورة التمسك بمعاهدات واتفاقيات السلام، فيما الحقيقة التي يتجاهلها نتنياهو، هي أنه ومجموعة طاقم الحكومة الإسرائيلية، وفي معيتهم أميركا… آخر من يحق لهم التحدث أخلاقياً ومبدئياً، التحدث عن السلام، لأن كلا الطرفين الإسرائيلي والأميركي لم يقيما وزناًَ للسلام ولم يحترماه، إلا في حدود ما عبر عنه زعيم النازية الهر هتلر، معلقاً باحتقار على كل من وقّع معهم اتفاقيات سلام من الدول: «دع أولئك المغفلين يتلهون بوريقاتهم التي يسمونها اتفاقيات سلام حتى يحين دورهم»!
 
 
وانطلاقاً من أن «النازية والصهيونية وجهان لعملة واحدة»، فمن الذي يضمن ألا يكون نتنياهو كامناً وراء مقولة النازي هتلر فيما هو يتحدث عن ضرورة احترام اتفاقيات ومعاهدات السلام؟ أليست «إسرائيل» (في العام 1998 ألغت التزاماتها باحترام اتفاقات سلام «واي» مع الفلسطينيين. وأشاد التحالف المسيحي بـ «إسرائيل» بتشددها ولرفضها السلام. (راجع كتاب «يد الله» من تأليف «غريس هالسل»، وهي كاتبة للرئيس جونسون في البيت الأبيض، ص 90)… فماذا كان موقف أميركا من هذا الأمر، إن لم يكن موقف التحالف المسيحي الذي يكون الرؤساء الأميركان، بطريقٍ أو بآخر جزءاً منه، وأكثر من ذلك ماذا كان موقف أميركا؟
 
أثناء حرب 1967، بعدما فرضت «إسرائيل» سيطرتها العسكرية على صحراء سيناء وعلى المناطق الواقعة غربي نهر الأردن – الضفة الغربية – وعلى قطاع غزة وكذلك على شرقي القدس، إضافة إلى مرتفعات الجولان. وإنه «استناداً إلى القانون الدولي فإن احتلال ومصادرة الأرض عسكرياً هو عمل غير شرعي». (راجع المصدر نفسه ص 87). فماذا كان موقف أميركا من هذا الخرق الإسرائيلي؟ وماذا عسى أن يكون عليه موقف أميركا لو حدث أن تم اقتطاع أراضٍ من ألمانيا بعد هزيمتها في الحرب العالمية الثانية؟ إن موقف أميركا تحكمه علاقة الرؤساء الأميركان، تلك العلاقة المتجذرة في صميم معتقداتهم الدينية المرتبطة بقناعات اليمين الديني الذي يقول: «إن القانون الدولي يطبق على كل أمم العالم باستثناء (إسرائيل)». وأكثر من هذا، «يدعو القس جيري فولويل (تلفزيوني أنجيلي) زعماء (إسرائيل) إلى عدم الخضوع للقانون الدولي».
 
إنه يبقى من العبث، أن يظل الرؤساء الأميركان يخضعون خضوعاً مطلقاً، ومن دون أي قيد أو شرط حتى ولا تبصر، لنبوءات كهنة اليمين المسيحي المتطرف، وخصوصاً تلك النبوءات والمعتقدات المتعلقة بـ «إسرائيل»، من مثل ما حدث «في العام 1956 عندما هاجمت (إسرائيل) مصر بدعم فرنسي وبريطاني. عارضت الولايات المتحدة بقيادة الرئيس آيزنهور هذا العمل. ولذلك أصبح ايزنهاور الرئيس الأميركي الأول والوحيد الذي اتخذ مثل هذا الموقف الجريء الذي يعاكس اعتقاداً واسع النطاق بأن الله يرعى، وأن على الولايات المتحدة أن ترعى أي عمل تقوم به (إسرائيل)». («يد الله»، ص 85).
 
على أنه من الممكن لأي باحث في دهاليز تاريخ علاقات اليمين المسيحي الأميركي المتطرف مع «إسرائيل» أن يكتشف الكثير من مثل هذه الأقوال الواضحة التلفيق والصريحة الافتراء، والكذب على الله أن كهان هذا اليمين لا يتورعون عن أن «يحدثوك عن رب العلا كذباً… وما درى بشئون الله إنسانا»، فيما الصحيح الثابت من قول لم يصدر بحقه نفي، أو يعارضه رأي هو ما نص عليه البيان التالي، وتناول في إطاره شرح وتحليل نبوءات الكهان ونص على أن «لا يقوى الكاهن على الكمال في إدراك المعقولات لأن وحيه من وحي الشيطان. وأرفع أحوال هذا الصنف أن يستعين بالكلام الذي فيه السجع والموازنة ليشتغل به عن الحواس ويقوى بعض الشيء على ذلك الاتصال الناقص، فيهجس في قلبه عن تلك الحركة والذي يشيعها من ذلك الأجنبي ما يقذفه، على لسانه فربما صدق ووافق الحق وربما كذب لأنه يتمم نقصه بأمر أجنبي عن ذاته المدركة ومباين لها غير ملائم…». («مقدمة بن خلدون»، ص 103).
 
لقد بدا لنا جلياً خضوع الرؤساء الأميركان خضوعاً مطلقاً، من خلال ما تزخر به الكثير من المراجع التي اطلعنا عليها، من نبوءات شيطانية تمجد «إسرائيل»، وترفعها إلى منزلة يبدو معها أن الله جل وعلاء يرعى عربدتها ويبارك اعتداءاتها، طبقاً لما مر علينا في جزئية من المقتبس، المتعلق بالعدوان الثلاثي على مصر العام 1956، «بأن الله يرعى – وأن على الولايات المتحدة أن ترعى – أي عمل تقوم به (إسرائيل)»! بما يخلط الأوراق، ويغيّب الحقيقة حول إقامة الدولة العبرية، عمّا إذا هي قد أقيمت على أسس من المعتقدات الدينية، أم أنها قد أقيمت لتحقيق شئون اقتصادية، وهيمنة استعمارية؟
 
لم يتحقق هدف «إسرائيل»، وقد فاجأها الربيع العربي، ما أثار انزعاجات نتنياهو، وولّدت همومه الكابسة… وهذا ما سنتناوله في دراسة منفصلة إذا سمحت ظروفي الصحية
 

صحيفة الوسط البحرينية – 02 يناير 2012م