المنشور

تصعيد غينغريتش حاكماً لأمريكا


ينبئ ترشح نيوت غينغريتش لانتخابات الرئاسة الأمريكية المقبلة (نوفمبر2012)، بأن أزمة النظام السياسي الأمريكي الناتجة عن الأزمة المالية – الاقتصادية الهيكلية العميقة، قد بلغت أوجها، وأن الأزمة ما كانت لتدفع بأصحاب الرؤوس الحامية وبأنداد الأيديولوجيا الفاشية، إلا إذا بلغت العظم، كما في حالة صعود النازية في ألمانيا والفاشية في إيطاليا، عندما وصلت الأزمة الاقتصادية والاجتماعية أوجها في القارة العجوز، على أثر أزمة الكساد العظيم التي هزت الاقتصادات الرأسمالية والاقتصاد العالمي ككل خلال الفترة من 1929-1933 .
 
من يكون نيوت غينغريتش هذا الذي يدفع به الحزب الجمهوري من بين خيارته لاستعادة كرسي الرئاسة الأمريكية في انتخابات الرئاسة الأمريكية المقبلة؟
 
ينحدر غينغريتش من بلدة هاريسبيرغ بولاية بنسلفانيا، من مواليد العام 1943 ، وتنقّل عبر الولايات الأمريكية، كما اقتضت وظيفة زوج والدته، “انفصل أبواه بعد ولادته”، الضابط في الجيش الأمريكي، وهو حاصل على شهادة الدكتوراه في التاريخ الأوروبي المعاصر من جامعة تولين عام 1971 . وبواسطة رداء الدين الذي لبسه بعد التحافه بالكنيسة المعمدانية، تمكن من إقامة روابط مع مراكز نفوذ الجناح المحافظ في الحزب الجمهوري والقوى الأوليغارشية الداعمة له، فحصل على وظيفة مدير المنطقة الجنوبية في شركة نيلسون روكفلر، قبل أن يمد طموحه ويرشح نفسه لانتخابات الكونغرس عن الحزب الجمهوري عامي 1974و1976 اللتين فشل فيهما، ليعاود الكرة للمرة الثالثة في العام 1978 ويفوز هذه المرة بمقعد في مجلس النواب .
 
في العام 1995 تدهورت صورته بسبب مسؤوليته عن عدد من الإغلاقات الحكومية لمؤسسات ووظائف بسبب تشدّده وتفويته فرصة التوصل إلى حلول وسط مع إدارة الرئيس الأمريكي بيل كلينتون على حجم الاقتطاعات في الميزانية، ونالته اتهامات أخلاقية، حيث أجبر في العام 1995 على إعادة 5 .4 مليون دولار كمقدم لكتاب كان موضع تحر وتدقيق من قبل لجنة الأخلاق في مجلس النواب . إضافة إلى ملاحقته في قضية أخلاقية مماثلة من قبل اللجنة نفسها، عمّا إذا كان استغل منصبه للتهرب الضريبي بأموال التبرعات المعفاة من الضريبة، وذلك باستخدام هذا التبرع لتمويل مادة تدريسية في إحدى الكليات كان هو المسؤول عن تدريسها في الوقت نفسه الذي كان يشغل فيه مقعده في مجلس النواب، وتم تغريمه 000 .300 دولار هي تكلفة التحقيقات في القضية، حيث صوت مجلس النواب في العام 1996 بأغلبية 395 صوتاً لتوجيه تقريع ونقد قاسٍ إلى “نيوت غينغريتش” عن هذه الفضيحة مقابل اعتراض 28 نائباً . في العام 1998 قاد حملة اتهام ضد المتحدث باسم الحزب الديمقراطي في مجلس النواب جيم رايت بأنه انتهك قواعد تمويل الحملة الانتخابية، ما اضطر الأخير إلى الاستقالة، وعندما عين ديك تشيني الذي كان ناطقاً باسم الأقلية في الكونغرس وزيراً للدفاع، عيّن الحزب الجمهوري غينغريتش مكانه . عرف بصلفه وهجومه العدواني المغالى فيه على خصومه، لاسيما في قضية اتهام الرئيس كلينتون بإقامة علاقة مع موظفة البيت الأبيض مونيكا لوينسكي، ما كلف الحزب الجمهوري فقدان 5 مقاعد في الانتخابات النصفية للكونغرس في العام 1998 لمصلحة الديمقراطيين، فكان أن أجبر غينغريتش على الاستقالة في نوفمبر-تشرين الثاني 1998 كمتحدث باسم الجمهوريين والاستقالة من منصبه في يناير – كانون الثاني 1999 . وظلّ مع ذلك يمارس السياسة مستشاراً ومعلقاً تلفزيونياً لقناة “فوكس نيوز” اليمينية المتطرفة . وفي العام 2007 أنشأ مؤسسة “أمريكان سولوشنز فور ويننغ ذي فيوتشر” بوصفها مؤسسة لصياغة السياسة العامة للبلاد . وفي مايو/ أيار الماضي أعلن نيته خوض انتخابات الرئاسة المقبلة .
 
ومنعاً للإطالة، نحسب أن شخصاً بمثل هذه السيرة الذاتية المترعة بالكثير من التساؤلات، سواء ما يتعلق منها بالذمة المالية أو بآرائه المتطرفة التي دبّج بعضها في مؤلفاته من قبيل “ربح المستقبل: عقد القرن الواحد والعشرين مع أمريكا” (2005)، و”إعادة اكتشاف الله في أمريكا” (2006)، و”من أجل إنقاذ أمريكا: وضع حد لآلة أوباما العلمانية – الاشتراكية” (2010)، أو طبيعة شخصيته العدوانية المعبّرة عن منكون أفكاره النازعة نحو الإقصائية والفاشية الجديدة (تصريحاته الهتلرية ضد الشعب الفلسطيني وهي عربون مقدم للعصابة الصهيونية في واشنطن من أجل الحصول على “بركات” دعمها الانتخابي) .
 
إن شخصاً مثل غينغريتش إذا ما نجحت الأوليغارشيا المالية والمجمع الصناعي الحربي في تسويقه وتمريره بواسطة “اللعبة” الديمقراطية الموجّهة وإنجاحه عبر صناديق الاقتراع ليكون رئيساً قادماً للولايات المتحدة، سوف يكون ذلك خيار أمريكا لمقابلة تحدي تقهقر وضعها الزعامي الاقتصادي العالمي الذي تكشّف في تراجع تنافسيتها الاقتصادية لمصلحة دول أخرى صاعدة .
 
وعلى ذلك فإننا نتوقع، إذا ما قدر وفاز غينغريتش في انتخابات الرئاسة المقبلة، أن تشهد فترة حكمه مزيداً من الإعفاءات الضريبية لرأس المال وتصعيد الهجوم على برامج الرعاية الاجتماعية، بما يؤدي عملياً إلى توسيع الفجوة بين من يملكون ومن لا يملكون، ونتوقّع كذلك، تصعيداً نوعياً في الحرب الباردة ضد الصين وروسيا بهدف انتزاع مغانم اقتصادية عالمية، وإعادة الاعتبار والثقة للأنظمة الاستبدادية في أنحاء المعمورة كافة
 
 
31 ديسمبر 2011