المنشور

التخطيط من الوظائف الإستراتيجية الهامة


يعد التخطيط كما يقول د. علي حسين الشامي في كتابه الإدارة العامة والتحديث الإداري «من الوظائف الإدارية الدولية الأساسية والعضوية حيث تتعلق بمهام الدولة ونشاطها وبعملية التنمية الشاملة». ويقول أيضا «وقد نمت وتطورت هذه الوظيفة مع نمو وتطور مهام الدولة وبالتناسب معها, وأصبحت من الوظائف الإستراتيجية بفعل تدخل الدولة الزائد في شتى القطاعات والمجالات وبفعل نمو دور الحكومة ونشاطاتها التنفيذية». وعلى هذا الأساس يعد التخطيط مطلبا أساسيا لتحديد الأهداف والوسائل المناسبة ولا يتمكن بلوغ تلك الأهداف إلا بالتخطيط العلمي السليم.
 
غياب التخطيط مشكلة مزمنة تعاني منها المجتمعات العربية وان وجد في البعض منها فانه يظل عشوائيا او مؤقتا وهذا بالطبع يثير أزمات اقتصادية واجتماعية عدة. ويتوقف الكاتب عند التخطيط كوظيفة وكعملية وكنشاط لا يمكن لأي قطاع في المجتمع الاستغناء عنه في حال وضع الاستراتجيات والخطوات المستقبلية وتأتي هذه الأهمية إذا كان الهدف منه كما يقول هنري بول «التنبؤ بالمستقبل والاستعداد له».
ويستعرض «الشامي» الفكرة التي يدور حولها التخطيط قائلا: «ان التخطيط هو تدبير يرمي إلى مواجهة المستقبل بخطط منظمة سلفا لتحقيق أهداف محددة, وانه نشاط يتعلق بالمستقبل وبالافتراضات والقرارات، وهو مرحلة التفكير التي تسبق أي عمل، ويقوم على جمع الحقائق والمعلومات أي باختصار, ان التخطيط هو عملية تقوم على تحديد الأهداف والوسائل ومراحل التنفيذ على عنصري التنبؤ بالمستقبل والاستعداد له.
 
وبما ان التنبؤ بخطاب المستقبل فانه يقوم على التقدير العلمي للافتراضات والاحتمالات وليس على التكهنات، وبالتالي يجب ان يقوم على تحديد الأهداف والوسائل والإمكانات ومراحل التنفيذ على أساس حصر جميع الموارد والثروات الوطنية والخبرات الفنية وتحليلها ودراساتها بجدية ودقة عملية».
وهكذا يمكن القول ان التخطيط هو عملية تقوم على استدراك التطورات ورصد الاحتمالات واستباق المشاكل ومواجهتها لاستبعاد التفاوت في تأثر النمو والتطور الاقتصادي والاجتماعي, وذلك بوضع الخطط والبرامج التي تحدد آفات المستقبل ورصد تطوره.
 
في الوقت الذي نجد فيه الحماس من قبل بعض الاكاديميين والمتخصصين في الادارة الحديثة والتحديث الاداري للأخذ بالتخطيط في كل قطاعات المجتمع لاعتباره الضمانة الحقيقية لتجنب الأزمات في المستقبل تجد وعلى صعيد المراكز التنفيذية العليا في الوطن العربي من يرفض هذه الفكرة أساسا لأسباب ربما لها علاقة بالرقابة والمحاسبة وهذا ما يفسر لنا غياب وزارة للتخطيط في اغلب البلدان العربية!! وعلى هذا الأساس يؤكد «الشامي» ان التخطيط هو احد الوظائف الإستراتيجية للدولة ولنشاطات أجهزتها السياسية والإدارية بمعنى كان التخطيط ولا يزال الوظيفة الأساسية التي تقع على عاتق الدولة.
وعلى هذا الاساس ايضا يقول «التخطيط كعملية ليس بالوظيفة الجديدة للدولة او الادارة ولم يكن ابدا وليد الصدفة او وليد العصر الحديث, لقد كان من الوظائف الجوهرية على مر العصور حيث ارتبط بدور الدولة وتدخلها الدائم, وبالرغم من انه ارتبط ويرتبط احيانا وظاهريا بالعمليات العسكرية الا ان جميع المجتمعات كانت قد شهدت تدخلا استراتيجيا للدولة يقوم على استدراك التطورات المحتملة وعلى استباق الأزمات ومواجهتها ووضع الحلول المناسبة لها. وكلما تطور المجتمع وازدادت حاجات البشر كلما تطور وازداد تدخل الدولة وازداد لجوؤها إلى عملية التخطيط لاستباق المشاكل المحتملة.
 
ومن هنا يعتقد ان مهمة التخطيط من المهام الاساسية للدولة التي فرضت عليها خلق اجهزة ادارية مركزية ولا مركزية تقوم بمهمة التخطيط سواء اتخذت هذه الاجهزة تسمية وزارة او هيئات اخرى. ومن هنا ايضا انه ومع تعقد عمليات التنمية في العصر الحديث ومع ازدياد وتائر التقدم العلمي والتكنولوجي يتأكد دور الدولة وضرورة إشرافها على شتى القطاعات والمجالات وهذا على عكس الآراء والاتجاهات التي تقول ان هذا الدور سواء التقليدي ام الحديث يجب ان لا يمتد الا إلى الأعمال التي لا يمكن لغير الدولة القيام بها.
 
اذن ان مفهوم التنمية يفرض اعطاء دور اشرافي كبير للدولة كما تفرض عملية التوازن وازالة التفاوت في وتائر النمو والتطور الاقتصادي والاجتماعي, على الدولة القيام بمهمة التخطيط التي هي العمود الفقري وتحقيق التوازن والتكافؤ في عمليات التنمية وهذه المهمة او الوظيفة تقوم على العقلانية وعلى البحث والدراسة المسبقة والهادفة إلى التخفيف من التكهن او عدم اليقين.
 
اذن فالتخطيط هو المخرج من التخبط وهو القاعدة التي تبنى عليها البيانات لاستشراف المستقبل وبالتالي متى يتحرك مجلسنا النيابي لإقرار قانون يقضي بإنشاء هيئة عليا للتخطيط؟ علما ان هذا القانون كمشروع لا يزال مصدر خلاف بين اللجنة التشريعية والقانونية من المجلس وبين النواب.. هذا ما نود ان يتحقق لاعتباره من الأولويات في هذه المرحلة.
 
الأيام 1 يناير 2012