المنشور

قصور بنيتنا التشريعية


تَفَحُصْ توصيات تقرير اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق يكشف أن الكثير من هذه التوصيات، إن لم يكن أكثرها، يتصل بتعديلات مطلوبة على التشريعات النافدة في البلاد، سواء منها تلك التي وُضعت في المرحلة السابقة لإقرار ميثاق العمل الوطني، أو حتى تلك التي مررتها المجالس التشريعية في الفترة اللاحقة.
صحيح أن العبرة هي في التطبيق لا في النصوص، ولكن أوجه القصور في التشريعات تهيئ البيئة الملائمة للكثير من التجاوزات وللممارسات غير الديمقراطية، وهذا يتطلب مراجعة شاملة للكثير من التشريعات المعمول بها خاصة تلك المنظمة للحريات العامة، وللقضايا ذات الصلة بحقوق الإنسان.
 
فعلى سبيل المثال، وليس الحصر، يمكن الإشارة إلى التوصية رقم 1917 من تقرير اللجنة المستقلة التي تدعو إلى ” تبني إجراءات تشريعية تتطلب من النائب العام التحقيق في دعاوى التعذيب والأشكال الأخرى من المعاملة القاسية وغير الإنسانية أو المعاملة أو العقوبة المهينة، والاستعانة بخبراء مستقلين في الطب الشرعي، ويجب أن تضمن هذه الإجراءات سلامة الأشخاص الذين يرفعون مثل هذه الدعاوى، إضافة إلى ذلك ينبغي أن يُوفر التشريع وسيلة تعويض لأي شخص يدعي تعرضه للانتقام بسبب رفعه دعوى بالتعذيب أو غيره من ضروب المعاملة أو العقوبة أو اللاإنسانية أو المهينة “.
 
وهذه كما أسلفنا ليست سوى عينة على الجانب المتصل بضرورة إصلاح البنية التشريعية القائمة، الذي شمل، فيما شمل، المطالبة بعرض مواد مرسوم السلامة الوطنية نفسه على المحكمة الدستورية ، وهو الأمر الذي قامت الحكومة به مؤخراً، وهو إجراء يشير إلى أن طريقاً مهماً لا بد من قطعه، من أجل مواكبة تشريعاتنا المحلية مع المعايير والاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها مملكة البحرين.
 
لم تظهر أوجه الخلل والقصور في بُنيتنا التشريعية في الأزمة الأخيرة فقط، فالكثير من توصيات التقرير المتصلة بالجانب التشريعي طالبت بها هيئات الدفاع في القضايا التي كان القضاء ينظر فيها في السنوات الماضية، كما أن برامج القوى السياسية ومقترحاتها للإصلاح السياسي والدستوري تضمنت جانباً من هذه المقترحات، لكن تقصي اللجنة المستقلة للإجراءات والتدابير التي أُتخذت في التعاطي مع الاحتجاجات التي شهدتها البلاد منذ فبراير الماضي سلط الضوء على هذه الأوجه من القصور. وتوفر توصيات التقرير المتصلة بهذا الجانب فرصة يجب على الدولة عدم تضييعها في تطوير البنية التشريعية بما يضمن نطاقاً أوسع من مراعاة واحترام حقوق الإنسان في بلدنا، ويسجل لصالح سجل البحرين الدولي في هذا المجال، وبما يخلق أرضية تشريعية صحيحة للتعاطي المستقبلي مع هذا الملف، والأهم من هذا كله بما يخلق الظرف الصحي لمصالحة وطنية قادرة على أن تدوم وتتطور.
 
والمصالحة الوطنية المنشودة تتطلب إجراءات تاريخية لا بد منها حتى لو بدت للوهلة الأولى صعبة وسط المناخ المشحون حالياً، وهو مناخ يجب تبديده ببناء جسور الثقة ، ومن غير هذه الإجراءات لا يمكن للوطن أن يتجاوز مناخ الأزمة، ويذهب للمستقبل.
 
حرر في 28 ديسمبر 2011