المنشور

ندوة لندن عن البحرين ما بعد تقرير بسيوني


المؤسسة البحثية «تشاتهام هاوس» نظمت ندوة لندن في 13 ديسمبر/ كانون الأول 2011 تحت عنوان «البحرين ما بعد تقرير بسيوني» وحظيت الندوة بحوارات ساخنة على مدى خمس ساعات، تحدث في الجلسة الأولى أحد مفوضي لجنة تقصي الحقائق البروفيسور نايجل رودلي وسفيرة البحرين في لندن ألس سمعان، وفي الجلسة الثانية تحدث كلٌ من الشيخ علي سلمان والشيخ عبداللطيف المحمود، وتحدث في الجلسة الثالثة سهيل القصيبي ومحمد مطر ومريم الخواجة (وأُضيف لهذه الجلسة تعقيب مطول للأخ زايد الزياني).
 
الجلسة الثانية التي جمعت سلمان مع المحمود أوضحت أنه على رغم تقرير بسيوني، إلا أن القصص المكررة التي كانت تقال قبل إصدار التقرير لاتزال هي الطاغية على التفكير، وهو ما حدا بمدير الجلسة إلى القول إنه يأسف لأن الاختلاف في فهم ما حدث في البحرين لايزال كما وصفه التقرير قبل إصداره.
عوداً على الجلسة الأولى، فبعد أن تحدث نايجل رودلي، تحدثت السفيرة ألس سمعان وسردت الخطوات التي «اتخذتها الحكومة استجابة للتقرير»، وذكرت أن البحرين «تعاقدت مع خبير بريطاني لإصلاح القضاء»، إضافة إلى تعاقدها مع مفوض شرطة أميركي وآخر بريطاني لإصلاح جهاز الشرطة. وقالت إن الحكومة رغبت في أن تبدأ بإصلاح الوضع بعد الاستماع إلى لجنة تقصي الحقائق وإن الأحداث بالإمكان أن تكون فرصة لإحداث إصلاحات دستورية وسياسية، ولكن حدث ما كان مخيباً للآمال، وإن الآن لدينا تقرير، و «يمكننا أن نستفيد من التقرير كخطوة أولى للمصالحة الوطنية».
 
بداية الندوة كانت مع خبير حقوق الإنسان نايجل رودلي الذي قال بأنه كان يطالب طوال التسعينيات من القرن الماضي بزيارة البحرين وذلك عندما كان مقرراً خاصاً للأمم المتحدة مسئولاً عن ملف التعذيب، ولكن الحكومة البحرينية لم تسمح له بزيارة البحرين، ومن مفارقات القدر أن تتم دعوته ليكون أحد المفوضين في لجنة تقصي الحقائق، والتي تعتبر أول تشكيل في العالم من نوعه، إذ لم يسبق أن تشكلت لجنة تحقيق مكونة من مفوضين دوليين بمبادرة من حكومة بلد ما، وهذا بلاشك يعطي سمعة حسنة للحكومة، ولاسيما أن ما حدث في 23 نوفمبر/ تشرين الثاني 2011 كان اجتماعاً ليس عادياً في أحد القصور الملكية، وكان الدبلوماسيون والإعلام وممثلو المجتمع المدني، والمفوضون والملك وولي العهد ورئيس الوزراء، جميعهم جالسين يستمعون إلى ملخص قرأه رئيس اللجنة البروفيسور محمود شريف بسيوني ذكر فيه تفصيلاً لانتهاكات قامت بها الحكومة، وكان نوعاً من الإدانة لها، ولكن الملك رد بشهامة، وكان هذا شيئاً مثيراً للإعجاب، إذ اعتبر أن احترام حقوق الإنسان يتخطى الحدود السيادية – كما هو الحال في أوروبا عندما تحقق المحكمة الأوروبية في تجاوزات حقوق الإنسان في أي بلد أوروبي.
 
رودلي قال إنه لا يعرف كيف تم اختياره، وإنه فقط دُعي للمشاركة في لجنة يرأسها بسيوني، الذي يعرفه منذ عدة عقود، وإن اللجنة لم تكن لها سكرتارية واحتاجت إلى توظيف موظفين لذلك، وهؤلاء تعاملوا مع آلاف الشكاوى خلال 4 أشهر، وعقدت عدة اجتماعات في البحرين وفي لندن، وكان عملاً مضنياً، والمفوضون كانوا على علم بهشاشة الوضع البحريني وانعدام الثقة بين مختلف أطراف الأزمة، إذ كان الوضع يقترب من الكراهية، وكانت الخطابات مختلفة والقصص متضاربة وحاولت اللجنة أن تعكس المنظورَين من أجل التوصل إلى فهم لما حدث في البحرين منذ اندلاع الاحتجاجات في 14 فبراير/ شباط 2011، وإن التقرير صدر على أمل أن يكون «بداية لمصالحة وطنية»، وليس من صلاحيات اللجنة أن تشرف على هذه المصالحة الوطنية، كما إنه لا يستطيع أن يعلق على ما حدث بعد إصدار التقرير من إجراءات حكومية لتشكيل لجان وغيرها، وهو يأمل أن تنفذ التوصيات كما وردت وأن تتحرك الجهود البحرينية نحو إعادة التفكير فيما حدث، وأن يستمع كل طرف للآخر، وإن آخر توصية في التقرير توجهت إلى جميع الأطراف بأن يتم تطوير التعليم بما يحقق الاندماج المجتمعي المؤسس على فهم واضح لحقوق الإنسان واحترام الأديان ووجهات النظر المختلفة، وأن تباشر الحكومة البدء بالمصالحة الوطنية والتحدث إلى الفئات التي تشعر أنها متضررة من طريقة التعامل معها.
 
هكذا بدأت الندوة التي أشعلت نقاشات ساخنة بين من حضرها، وكان واضحاً أن التقرير يمثل مرحلة جديدة. ويجب أن أشير إلى أن الخطاب الحكومي الجديد يمثل تحدياً للمعارضة، إذ إنه يفسح المجال للحكومة لطرح شيء مختلف عن الأسلوب الحكومي الفاشل سابقاً، وهو طرح يجد له صدى في الأوساط العالمية. كما إن الطرح يمثل تحدياً للحكومة ذاتها لأن الفسحة التي تحصل عليها ربما تنتهي بسرعة وإذا لم يتحقق شيء فإن الوضع سينقلب سلباً عليها.
 
وفي الحقيقة، فإن أكثر ما أخشاه هو أن الحكومة قد تحاول الاستفادة من التقرير للتسويف وعدم تنفيذ أي شيء نحو المصالحة الحقيقية، وفي الوقت ذاته فإن البعض الآخر لن يستفيد من التقرير وسيستمر في تكرار ما كان يقوله قبل إصدار التقرير، وهذا ينطبق على المعارضة وعلى الفئة الأخرى المضادة للمعارضة… وأعتقد أن جميع هؤلاء سيكتشفون – إذا استمروا هكذا – أنهم يضيعون فرصة حقيقية للخروج من أزمة خانقة لاتزال جذورها باقية لتنتج لنا مزيداً من الأحداث المؤلمة.
 

صحيفة الوسط البحرينية –  15 ديسمبر 2011م