المنشور

المطلوب صوت العقل


إصلاح الأوضاع السياسية المتوترة إلى حد تنذر بعواقب مشئومة على السلم الأهلي تحتاج الى مبادرات سياسية تفتح الطريق لصوت العقل، والحوار الفاعل أهم الخطوات الحضارية للتعامل السليم من أزماتنا الداخلية التي نرفض رفضا قاطعا التدخل الخارجي فيها تحت أي تبرير كان. وهذا بطبيعة الحال وبقدر ما تتطلب هذه الأوضاع الحلول السياسية الناجعة تتطلب أيضا وقف أعمال العنف الفوضي التخريب والإضرار بالمصالح العامة والخاصة وإشاعة الكراهية تجاه الآخر والشحن الطائفي والتصعيد الذي يهدد نسيجنا الاجتماعي، اذن فالخروج من دائرة التوتر والاحتقان الطائفي والأزمة السياسية كما قلنا سلفا تحتاج إلى فعاليات حوارية ومبادرات تهدف الى احترام سيادة القانون والمؤسسات الدستورية والحقوق وشروط العيش الكريم، ولا يتحقق ذلك الا في ظل التهدئة والأمن والاستقرار السياسي والنقد البناء لا بإشاعة الفوضى والتعصب والتحشيد الطائفي والتعبئة الطائفية والممارسات غير المسؤولية والخطيرة على وحدتنا الوطنية والتعايش والسلم الاهلي والمجتمعي التي تزيدنا انقساما وتفتتا.
فالمطلوب في مثل هذه الظروف السياسية الصعبة التي لا يمكن وفي جميع الأحوال النظر الى نتائجها من دون النظر الى أسبابها التي قادتنا الى المزيد من الانقسام والإقصاء والتشظي والعمل الدؤوب لترسيخ أركان العملية الإصلاحية وتطويرها وتمتين اللحمة الوطنية والالتزام بالحقوق والواجبات، والاهم هنا كما قال جلالة الملك المفدى في كلمته بمناسبة افتتاح دور الانعقاد الثاني من الفصل التشريعي الثالث «سيظل التحدي هو المحافظة على معدلات نمو ايجابية والاستمرار في خلق فرص عمل مناسبة».
 
ما حدث في البحرين ليس كما يقول البعض عابراً وطارئا نعم كانت احداثا مؤلمة، كانت قاسية على البحرين أو كما يقول «بعكوف»من حالة بوماهر «ما تستاهل البحرين اللي صار لها “، وبالتالي فالبحرين تلك السفينة التي لم تبحر قط نحو الشطآن الامنة بطرف دون الآخر ولم تحلق في السماء البعيدة بجناح دون الآخر، هي أمانة في أعناقنا جميعا فالحفاظ على هذه الأمانة العزيزة على قلوب الكل تفرض الى إحياء مبادرات فاعلة بغية البحث عن نقاط الالتقاء لا الخلاف، لان المسألة ليست مسألة غالب أو مغلوب وإنما كيف نتدارك تأثيرات الأزمة السلبية على قاعدة التسامح ونبذ العنف واحترام دولة القانون والمؤسسات وقيم المواطنة، وهي مسؤولية وطنية ملقاة على عاتق الجميع.
 
ليس هناك احد فوق النقد، هذا ما أكد عليه سمو ولي العهد في كلمته الشفافة التي ألقاها في بيت التجار قائلا «بممارسة النقد الذاتي وتقييم اعمالنا في الماضي نصل الى تقييم النفس بصدق بغية إعادة اللحمة الى وطننا. وان من بين ما نطمح اليه من نقد هو ان نميز بين الحقوق المدنية التي هي حق للجميع بدون أدنى شك والحقوق السياسية التي من المحرم على الجميع ان تكون بدوافع مذهبية أو طائفية، وان نؤمن بان البحرين وطن الجميع». وفي مقابل ذلك، قال ايضا «تدريجيا حدث ما كنا نحذر منه وهو ان التصلب في الرأي يجعل الطرف الذي نختلف معه في الرأي يفقد الثقة.. البحرين قدمت مشروعاً فيه تنازلات للطرفين لو تم قبوله لما كنا بهذه الحال». ويفهم من كلام سموه، الشفاف والمسؤول ان المبادرة التي أطلقها في مارس الماضي كانت الخيار الأمثل للخروج من الأزمة السياسية والأمنية، وهنا نطرح التساؤلات الآتية: في الوقت الذي نطالب فيه بالحوار الوطني الفاعل والقائم على مبادرة سمو ولي العهد لماذا لم نتعامل وقنداك بحرية مع تلك المبادرة؟ لماذا أهدرنا الفرصة التاريخية الثمينة التي كانت على مستوى كبير من الاهمية بالنسبة للاستقرار السياسي وبالنسبة لطموحاتنا جميعاً؟
 
اجل ليس هناك احد فوق النقد وبالتالي علينا مواجهة كل التحديات الآنية والمحتملة.. علينا تهيئة الأجواء اللازمة لصياغة استراتيجيات وطنية تتجه للإنتاجية وبناء الوطن وتوفير متطلبات المواطن الملحة؛ لأن المواطن الرصيد الحقيقي لهذا الوطن «علينا ان نتكاتف ونضاعف جهودنا إذا ما أردنا ان نتجاوز أخطاءنا وعثراتنا وسلبياتنا ونصد أعداء الوطن الذي يلعبون بورقة الطائفية لتفتيته وانقسام أبنائه.
 
صحيفة الأيام 15 أكتوبر 2011