المنشور

نحو مبادرة وطنية شجاعة


هل هناك ثمة مواطن عاقل مخلص محب لوطنه يقبل لوطنه ومواطنيه أن يصلوا إلى درك سفلي يحترق فيه الوطن ومواطنوه؟ هل في حرق الوطن ومواطنيه انتصار لأحد؟ ألا يمثل مثل هذا الانتصار – إن جاز للبعض أن يسمي ذلك انتصاراً – وهماً بالانتصار؟ هل يمكن أن يكون هناك انتصار لأحد في وطن ممزق إلى طوائف وأحزاب متناحرة؟ هل يمكن أن يكون هناك انتصار لأحد في وطن محطم اقتصادياً واجتماعياً ونفسياً؟ ألا تمثل الحالة القائمة في الوطن نوعاً من الجنون يتشارك فيه الجميع بإرادة من البعض أو بدون إرادة من البعض الآخر؟ هل التحريض على روح الكراهية والانتقام يبني وطناً؟ هل تجاوز من يشاركني الوطن وعدم الأخذ بعين الاعتبار لرغباته وقناعاته يبني وطناً؟ هل العمل على التمييز والتفريق بين أبناء الوطن يبني وطناً؟
 
هل يمكن أن يكون هناك انتصار لأحد في وطن مهزوم في مجمله؟ هل نحب لوطننا أن يكون مهزوماً؟
 
إذا سرنا وراء هل وهل… فإن هل الاستفهامية الاستنكارية لن تنتهي، لكن بالتأكيد أنه لا يوجد من بيننا من يحب لوطنه أن يكون مهزوماً. ما دمنا جميعاً لا نحب لوطننا أن يكون مهزوماً، فلماذا لا نعمل جادين في البحث عن انتصاره وتعزيز أسباب هذا الانتصار؟
الأمة الحية هي الأمة التي تتجاوز هزائمها وعثراتها، الأمة الموحدة هي التي تستطيع تجاوز الهزائم والعثرات. الأمة التي تعيش في طوق هزائمها، ويعيش أفرادها منقسمين على أنفسهم، تمزقهم الخلافات، مثل هذه الأمة تعيش الهزيمة ولا تستطيع التخلص منها ومن آثارها. فهل نريد لوطننا ولأنفسنا هزيمة دائمة نعيشها، بل نورثها لأحفادنا وأحفاد أحفادنا؟
المطلوب أن نعود إلى رشدنا وأن نحكم ضمائرنا. الأحقاد والكراهية وتمزيق مكونات الوطن، ذلك لا يبني وطناً سليماً معافىً مزدهراً ينعم بالأمن والطمأنينة. من يعتقد خلاف ذلك لا يعدو أن يكون جاهلاً مريضاً ضاراً بنفسه وبوطنه.
 
مباشرة وبعد الميثاق كان هناك مطلب لتشكيل هيئة للحقيقة والإنصاف تتناول الفترة ما قبل ميثاق العمل الوطني. لا ندري ما دمنا نقول إننا دخلنا مع ميثاق العمل الوطني مرحلة الإصلاح لماذا لم يتم القبول بتشكيل مثل هذه الهيئة؟ الآن أصبحنا أكثر حاجة وأكثر إلحاحاً لتشكيل هيئة للحقيقة والإنصاف لمداواة جروح وآلام ما قبل الميثاق مضافاً إليها المزيد من الجروح والآلام لما بعد 14 فبراير/ شباط 2011 والتي هي مستمرة في النزف والتقيح وممنوع معالجتها ومداواتها حتى الآن. إن استمرار النزف والتقيح فيه ذبح للوطن بمجمله. سيكون واهماً من يعتقد أنه بعيد عن هذا الذبح وآثاره. فهل نقبل بالذبح لوطننا وأهله؟ وللأسف نقول: هناك كُثر ممن يعمل على تمزيق الوطن وذبحه باسم حب الوطن والدفاع عنه، وفي مقدمتهم بعض أصحاب الكلمة، سواء بوعي من البعض أو دون وعي من البعض الآخر.
نعم نحن بحاجة لجرأة تاريخية في لحظات تاريخية، نريد من هذه الجرأة إنتاج مبادرة وطنية جريئة يخلدها تاريخنا الوطني. نحن بحاجة لمبادرة وطنية جريئة تؤسس لحالة وطنية مستقرة تعيش مع الأجيال، مبادرة تسلب الأرضية من تحت أقدام المتطرفين أياً كانوا من هنا أو هناك. نحن بحاجة لمبادرة وطنية شجاعة تشفي وطننا من أمراض مزمنة وجروح غائرة.
لماذا نعمل بجهل منا أو بدون جهل لأن يكون وطننا ويظل ولعقود طويلة يعيش محطات متكررة من العذابات؟ نحن جميعاً زائلون وذاهبون، ليس من بيننا من سيكون خالداً، من هذه العائلة أو تلك، من هذه الطائفة أو تلك، غنياً أو فقيراً، يسكن قصراً أو عشة، الخالد الوحيد هو الوطن. هل نريد لوطننا أن يكون خالداً، لكنه وطن في خلوده يتحارب ويتعادى فيه أهله مع بعضهم البعض؟ ذلك بالتأكيد ليس هو الوطن الحقيقي الذي ننشده ونتمناه.
المبادرة الشجاعة ترتكز على شجاعة أطرافها، ولن تمر المبادرة الشجاعة دون شجاعة أطرافها الذين يبحثون عن انتصار الوطن، وليس عن انتصار العائلة أو القبيلة أو الطائفة، مبادرة يقبل أطرافها بالتنازلات المتبادلة من أجل الوطن وأهله.
 
أعتقد أنه ليس هناك من لا يعرف مقومات وعناصر المبادرة الوطنية الشجاعة، ما نفتقده هو فقدان الجرأة لدى البعض بقبول عناصر المبادرة الوطنية الشجاعة، مضافاً إلى ذلك بعض الأوهام التي تعشعش في عقول البعض. فهل نريد وطناً يسمو بنا ونسمو به؟
المواطنة الحقيقية غير المنقوصة وغير المشوهة هي التي تبني وطناً يسمو بنا ونسمو به. فلنعمل جميعاً من أجل وطن يسمو بنا ونسمو به
 
صحيفة الوسط البحرينية – 11 أكتوبر 2011م