المنشور

حـــرب عــــلى التفـــــاؤل….!


مرة أخرى يضع عاهل البلاد النقاط على الحروف، على الأقل فيما يتعلق بالمعاني ذات الصلة بإذكاء روح التسامح والتكاتف والعيش المشترك معا وأبدا. شكر عميق للعاهل الذي ظل في دأبه يؤكد على هذه المعاني، ويدعو اليها والالتزام بها والى استئناف الاشغال والاعمال التي تدفع الى اعتماد منطق الاعتدال في الأقوال والأفعال ووقف حمل معاول الهدم المؤدية بنا الى آفاق ضيقة خانقة تجعلنا وكأننا في حرب على التفاؤل..!،
لذا كان هما كبيرا للعاهل وهمنا معه حتما هو استنهاض الضمير الوطني الذي يؤسس عليه – بين ما يؤسس له- ايجاد المعالجات السريعة التي من شأنها اعادة الروح او بعض الروح او شيء من الروح الى الصيغة الفذة والنموذج والمثل في التعايش والعيش المشترك والمصير المشترك الرافض للفئوية والطائفية والمذهبية والتشرذم وهي المعاني الذي ظل العاهل يشدد عليها.
 
وبهذه المعاني، وبهذه الروح، وبهذه الرغبة يكون هم العاهل وهمنا معه اليوم ان تنطفئ شرارات الفتنة ولا نترك نارا تحت الرماد وان نتطلع صوب المستقبل بأمل معقود على العقل. العقل الذي يرى أبعد من الحاضر، ويعي بأن البلاد لا تحتمل هذا الذي جرى ويجري، ولا تحتمل هذه الاثارات والمماحكات التي في غير موضعها، ولا هذه «الجعجعة» التي لا تقرب حلا، ولا تقرب احدا من احد، وتدفع لمزيد من الامعان في الخطأ والخطايا.
 
 لذلك فان رؤى عاهل البلاد حفظه الله خاصة في كلمته في العشر الاواخر من رمضان، ثم في لقائه الاخير بعدد من العائلات البحرينية تلقى صدى وتجاوبا عند البحرينيين الغيورين على المصلحة العليا للبلد والشعب والذين آلمهم وأوجعهم كل الذي جرى، ويحلمون بوطن خال من المنغصات والحساسيات والتعقيدات والمنزلقات الآخذة مجراها غير متوقفة اجلالا واحتراما لكل المشتركات والانصهارات التي ظلت دوما تجمع وتقرب وتوحد ولا تفرق وجعلت قضية الحفاظ على نسيجنا الوطني أولوية غير قابلة للمساومة ابدا وعلى الدوام.
غير ان الواقع الراهن محزن ومزعج ومضن ومهلك للاعصاب ومفقد للراحة ومقلق من جميع الوجوه، خاصة واننا لازلنا نرى ان هناك من يريد ان يمضي بنا مستمتعا بـ»نكش» كل ما يزيد التأزم ويخلق المناخات التي تجافي الحكمة وبعد النظر، وعلينا ان ننتبه ونتنبه ونحذر من هؤلاء الذين يذكون ويؤججون الوضع وينفشون السموم بأقوى من الريح العاتية ويمارسون ما يمثل عبثا غير مسؤول بنسيج المجتمع.. يريدون أن يلعبوا ويتلاعبوا بنا كحجارة الشطرنج .. ومنهم من أصحاب الرؤى القاصرة والمتشاطرة والحسابات الصغيرة والذين مارسوا أداء سياسيا رديئا بكل المقاييس ومعهم الذين يطرحون الشيء ونقيضه وكذلك الطارئين على حياتنا العامة وكذلك وأصحاب التطلعات الشخصية ومدعي تمثيل الطوائف وهم كثر، والانتهازيين وأصحاب المآرب الذين عرفوا كيف يحولون الازمة الى فرصة وهم اكثر، والجهلة الذين يظنون – رغم ان بعض الظن اثم- بان التصدي لأي مشكلة او قضية هي اليوم حكما تكون على حساب الاخرى وضدها وكأن ليس ثمة مشترك من اي نوع يجمع مع الآخر، ويريدون ان تعالج المشاكل والقضايا على طريقة مداواة المرض بالمرض، او مطالبة الدواء من اهل الداء.
أولئك من الضفتين وقلنا بأنهم كثر لا تعجبهم تلك الرؤى بل لهم من الأقوال والتصرفات ما لا يعرف البراءة حينما يستهدف عرقلة المحاولات الدؤوبة التي يراد لها ان تقف بوجه من يريد ان يقطع الوشائج بين أطياف المجتمع وثوابته وان يزرع بذور الفتنة بين ابنائه وينبش رفات الفرز الطائفي وإطلاق موجات تشكيك ضربت واساءت لكثير من المواقع والشخصيات. لذلك هم يقفون بالمرصاد ويتحفزون للانقاض وبأفعال شتى لكل التطمينات والوعود والاشارات بفرج قريب يعيد مناخات التوافق والوئام التي من شأنها ان تسرع من التوصل ولو بالخطوط العريضة الى ما يوقف الهواجس التي تغرق فيها الآمال بعد الاحلام، والذين ظهروا لنا متفننين ومبدعين في كل ما ينقل البلاد من تصعيد الى آخر، وهم الذين نغبطهم – ونكاد نحسدهم – على قريحتهم في ابتكار الشعارات الرافضة علنا لكل محاولات تكريس الطائفية والداعية الى محاصرة بذور الفتنة وكأن الفتنة فعلا مجهول الفاعل. هؤلاء يفعلون ذلك متجاهلين او جاهلين -لم تعد تفرق- بان محاصرة الفتنة تفرض من بين ما تفرض، معرفة أبعادها والذين يقفون وراءها ثم الذين يشاركون في تشعبها وامتدادها ومن يتوزعون الادوار في السر والعلن ربما بذلك نستطيع ان نمارس فعل التصدي ولا نبقيه في مرحلة تأجيل، لان اعلان الحرب على الفتنة وحده لا يكفي لمحاصرة الفتنة والتصدي لها اذا لم يكن هناك فعل ينطلق من الايمان بالسلم الاهلي والعيش المشترك والوحدة الوطنية الذي ستظل كما كانت دوما الخيار الأوحد والاستحقاق الذي لا يفيد التهرب منه.
إذن الوحدة الوطنية.. الوحدة الحقيقية والملموسة والمحسوسة، مهما ظن بعض الحاذقين والحاقدين ممن يريدون شرعنة الانكفاء وجعلنا عاجزين عن توليد الحلول والتماهي في محاولات وممارسات لا طاقة لنا على تحملها ولا حاجة للشرح، مهما ظن هؤلاء بان الوقت قد فات لتدارك الوضع بعد كل هذه الافرازات والتداعيات التي يزخر بها المشهد المحلي، إلا انه ليس أمامنا سوى ان نجعل ملف الوحدة الوطنية موضع اهتمام وعقول الجميع من كل الافرقاء والأطياف. واذا كان من حق أي كان مهما عظم شأنه ان يكون له موقف أو رأي إلا انه ليس من حقه أبدا ان يجرنا الى محنة وطنية.
رجاء.. وقبل ان يدهمنا اليأس.. افعلوا شيئا يعيد الجميع الى جادة الصواب، ولابد ان تخطى الدعوة الاخيرة لصاحبي السمو رئيس الوزراء وولي العهد «لاعتماد خطاب وطني جامع يمثل شعب البحرين الواحد ويحارب الفئوية، ويجعل الوطنية لا الطائفية هي المحور الذي يلتقي عليه الجميع، والتوقف عن الخطاب الذي يفرق ولا يجمع».. صداها على أرض الواقع، وهي دعوة اذا التزم الجميع بها قد تعيد لحياتنا العامة شيء من الرونق والحيوية وقد يكون ذلك بداية لعمل وطني حقيقي مطلوب لا يكتفي بالتغني فقط بالوحدة او اللحمة الوطنية ولابد ان ندرك بان الوقت لم يفت لتدراك الوضع متى ما اقتنعنا وعملنا على أساس أن وقت الإصلاح الحقيقي لا يفوت أبدا..!! أما ان يبقى الحال على ما هو عليه فذلك ليس أكثر من بداية طريق طويل من المآسي والآلام، وسيكون في وضع كهذا صوت كل مخلص، وكل مبادرة مجرد صدى في برية، وهو أمر لاشك انه باعث على ارتياح كل من يريد ان يوصلنا الى طريق مسدود. نعلم بأن هناك من بات لا هم لهم اليوم الا ان تكون كل مجريات الأمور في غير محلها وفي غير السياق الطبيعي، لذلك يجعلون انعكاسات اي كلام طيب، او اي خطوة نبيلة في الهدف والمقصد تنقلب بقدرة قادر رأسا على عقب حينما تظهر لتصيب الطرف الآخر، لذلك يبقى المشهد العام مؤلم وموجع ومهين لكل بحريني مخلص مهما كان انتماؤه. هؤلاء يبدو انهم يريدوننا ان نكتفي بالشعارات ونغرق فيها رغم انهم يحرفونها عن اهدافها كيفما يشاؤون، و”بالحنجلة” التي لا تؤدي الا الى حال من المراوحة والعبث بكل الاعراف والتقاليد التي شكلت حزام الامان للجميع او يعقل هذا الاستهتار، هذه اللامبالاة بمصلحة البلد والناس، والمصلحة العامة والخاصة على حد سواء، وكم يستطيع الناس ان يتحملوا، ويصبروا، ويسكتوا.
وهل من المعقول على المعنيين بالوضع السياسي وطواويس السياسة ومسرحياتها وكرنفالاتها مهما تعاظمت قوتهم وقدراتهم وبحثهم عن فوز او انتصار او استئثار ان يتوهموا انه يمكن قبول هذا الوضع الى مالا نهاية.
ليس علينا فقط ان نشدد دوما على الوحدة الوطنية، والوفاق الوطني، والتوافق، وان نبدي حرصا على الالتزام بتفعيل مخرجات الحوار الوطني، بقدر ما علينا ان نمارس فعلا حاسما يوقف كل ممارسات الترهيب والترويع من اي نوع والتي تخلق المزيد من المناخات التي يراد لها ان تحقق المزيد من الافتراق والتباعد فيما بين ابناء البلد لتحكمنا الاحقاد والضغائن، نهاجم بعضنا بعضا، ونجعل الثوابت الوطنية مجرد صورة وهمية وصورية، وبات واضحا ان ما كان يقال تلميحا او تلويحا صار يقال صراحة من دون تردد ومن دون رادع، ومن دون نظر في نتائج، وهو امر في كل الاحوال يضرب الثوابت في الصميم، ويهيئ لإشعال فتنة هل هذا ما نريد..؟ لابد أن نتحرك بروح عالية من المسؤولية وبالحد الأقصى من الغيرة على الوطن وأن نفكر بوسائل تقفل الأبواب أمام كل المنغصات الطائفية التي صارت العنوان الأول في يوميات كل مواطن وأن نعمل بمنتهى الجدية على ما يحشد الصف الوطني للدفاع عن المصلحة العليا للبلد والشعب المهددة من كل صوب، وسيكون من الخطأ الفادح الذي لا يجوز الاستهانة به ان نجعل مستقبل الوطن في مهب المجهول اذا لم نعد الاعتبار لأجواء التعقل والاعتدال والتوافق.
 
جريدة الأيام  3 أكتوبر 2011