المنشور

التنمية وتطوير التعليم ( 2 )


هناك حلول نسبية للتناقض القائم بين العالمين المتقدم صناعياً والمتخلف او ما يسمى «بالعالم المتخلف» من بينها دراسة الواقع بمفهومه الشامل وكشف حقيقة المشاكل ومحاولة إعطاء بديل لما هو واقعي في الواقع المعاش، والأمر الآخر جعل قطاع التعليم يقوم بالأساس هذه المهمة الهامة بالمساهمة في عملية التنمية لما فيه صالح الوطن والمواطن بدون تمييز او انتقاء طبقي واجتماعي، وأخيراً الحرص على ما يجري في الواقع الإنساني الراهن على جميع المستويات حتى لا نظل في عزلة عن تاريخنا ومقومات حضارتنا الحديثة والمعاصرة.
 
وإذا صح هذا الطرح على المستوى العام للإشكالية فانه وبكل تأكيد يتفاوت على مستوى الطرح الخاص، ومن هنا يحدد «بدران» البحث في الإشكالية من حيث انه موضوع تتداخل فيه مجموعة من المشاكل ذات طابع ثقافي وفكري واقتصادي واجتماعي وسياسي.
 
ومن هذا الحديث او بالأحرى النتيجة، يطرح السؤال المحوري والأساسي: ما هو دور التعليم في التنمية؟ في البدء يقول «ان التعليم في رأينا لا يقتصر على ما هو فكري وثقافي فحسب. انه الميدان الذي يسهم مساهمة فعالة في عملية التخطيط لتنمية المجتمعات في حاضرها ومستقبلها، ومن هنا تظهر العلاقة الجدلية بين التعليم والتنمية والتي بدونها لا يمكن ان يتحقق التطوير والتقدم والتحرر»، ومن هنا يتوقف «بدران» مدافعاً عن التعليم لما يتعرض له من محاولات للتحريف والتشويه أخطرها تلك التي ترى التعليم قطاعاً غير منتج في المجتمع. واذا كان من الضروري جداً ربط التعليم بالتنمية فان هذا الربط لا يمكن ان يكون فاعلاً من دون تخطيط علمي دقيق وان عملية التخطيط هذه لا يمكن ان تتم هي الأخرى بدورها  إلا بفضل التعليم الهادف إلى حياة أفضل وذلك لان مشكلة بطالة الخريجين التي تعاني منها البلدان العربية غنية أو فقيرة لن تجد حلها الصحيح إلا في إطار تنمية مستقلة تتم على مستوى هذه البلدان. هكذا يتوصل الباحث الى هذه النتيجة، والاهم من ذلك يؤكد ان مواجهة المشاكل المتراكمة التي أصبحت واقعاً ملموساً خطيراً مثلاً: البطالة السافرة، وتدني مستوى المعيشة ومشاكل الاستيعاب وحرية التعبير… إلخ، لابد من إعادة نظر واقعية وجدية إلى الواقع المتردي والمتأزم، حيث أصبحت تأتي في مقدمة الأزمة المأساة الحقيقية التي يعيشها المواطن في الدول العربية المغلوب على أمره، وواقع «بطالة الخريجين» إنها ليست ناتجة عن كثرة الخريجين في ميدان التعليم والتكوين المهني وإنما راجعة في عمق أساسها الى تنمية اقتصادية محكمة هادفة.. هي ناتجة كما قلنا عن عدم تمكن بلدان «العالم الثالث» من التحرر والتخلص من قيود الهيمنة والتبعية والتخلف وعن عدم التمكن من ربط علاقة جدلية بين التعليم والتنمية على مستويات التخطيط والتنسيق والدراسات والأبحاث النظرية والتطبيقية الجادة.
 
واذا كان الباحث يرى ان الدول العربية و”العالم الثالث” عامة غير قادرين على مواجهة حدة المشاكل المتعددة التي أصبحت إشكالية التنمية والتخلف في رأي كثير من المفكرين لا تقتصر فقط على علماء السوسيولوجيا والباحثين والدراسيين بقدر ما أصبحت هي إشكالية الساعة بل إشكالية كل الناس المتأزمين والمهمشين فان التعليم أصبح هو الآخر الميدان الذي بإمكانه أن يحقق الحرية والتحرر من التبعية والتخلف. ومن هنا، فالتبعية والتخلف إشكالية لا تحل إلا بالتنمية المستدامة.. تنمية هدفها الإنسان.
 
وأخيراً، يمكن تلخيص هذا الرأي في ان التنمية لابد من ان تتوافر فيها شروط ذاتية وموضوعية وكذلك تطورات وتغيرات وتحولات كمية وكيفية. نجدها تقع في بلدان «العالم الثالث» تحت تأثير عوامل داخلية وأخرى خارجية، وعلى هذا الأساس يعتقد ان الاهتمام بنمو الواقع المعاش والانطلاق منه في كل المجالات يستدعي نظاماً تعليمياً وطنياً حقيقياً وواقعياً تراعى فيه المصالح الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية والثقافية لبلدان «العالم الثالث» وذلك لتخطي مشاكل التخلف والتنمية وبكل تأكيد لا يتحقق هذا النظام الا في ظل الديمقراطية وحقوق الإنسان التي من الضرورة ان تسود هذه البلدان.
 
الأيام 17 سبتمبر 2011