المنشور

الفساد إن وجـد… !


لعلها مصادفة ان يأتي توجيه سمو رئيس الوزراء بإنشاء جهاز لمكافحة الفساد بمختلف صوره وأشكاله في البحرين، بعد يوم واحد فقط من الإعلان في الكويت عن أمر أميري بإنشاء هيئة وطنية مستقلة لمكافحة الفساد ذكر بانها «ستعنى بانضباط جميع الأعمال والأنشطة الحكومية ومحاربة الفساد المالي والإداري، وفق معايير النزاهة والشفافية وتكافؤ الفرص التي تحقق العدالة»، وكما ان ذلك ايضا جاء بعد شهور قليلة من إنشاء هيئة وطنية سعودية هي أيضا مستقلة، صدر أمر ملكي بتأسيسها في أواخر شهر مارس الماضي، عهد اليها بحماية المال العام وتعزيز مبدأ الشفافية ومكافحة الفساد والكشف عن التجاوزات في عقود الأشغال العامة وغيرها من العقود المتعلقة بالشأن العام.
 
نتمنى ان يعني ذلك ضمن ما يعنيه بان قيمة المساءلة سوف تنل حظها المطلوب واللازم في ساحة الأداء العام، وبان ثمة توجها خليجيا في المنطقة يجعل محاربة الفساد شأنا حيويا مقرونا بما يثبت الجدية والعزم والحسم والإرادة وكل ما يمضي بنا إلى نشر ثقافة عدم التسامح مع الفساد، حيث بات علينا على الدوام ان ندرك بأنه ما من تنمية في ظل تفشي الفساد، وما من إصلاح في أي مجتمع لا يضع محاربة الفساد في صدارة أولوياته. وربما هو خطأ جسيم ألا نلاحظ بان مطلب محاربة الفساد أصبح اليوم الأكثر حضوراً والأكثر تداولاً في البلدان العربية بوجه عام، وهو سبب النقمة والقاسم المشترك الذي أدى إلى تفجر الثورات في عدد منها. وعلينا ان نلاحظ بأنه لم يسبق لعبارة مثلها «محاربة الفساد» ان استعملت وانتشرت واستغلت وتم تداولها على أكثر من صعيد لأهداف نبيلة ومشروعة تارة، ولتغطية أخطاء وتجاوزات وإخفاقات تارة أخرى، وكشعارات سياسية محضة تارة ثالثة ولكن دون ان يؤدي ذلك الى نتائج فعلية ملموسة.
 
بالنسبة لنا في البحرين، نعلم بان المطالبة بإنشاء هيئة وطنية لمكافحة الفساد لم تكن وليدة الساعة والظرف الراهن، بل هو مشروع جرت المطالبة به منذ عدة سنوات وطرح على بساط البحث والتداول في مناسبات كثيرة، وحتى في مجلس النواب، وجاءت مصادقة البحرين لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد في عام 2009 لتضاعف الاهتمام بإنشاء الهيئة التي علينا ألا ننسى بأنها من أهم أركان تلك الاتفاقية الواجب الالتزام بها.
 
ليس إنشاء هيئة وطنية بحرينية لمكافحة الفساد تتمتع بكامل الاستقلالية، وتمتلك كل الصلاحيات التي تجعلها هيئة فاعلة تقوم بواجبها على أكمل وجه، ليس وحده هو المطلوب، بل إضافة إلى ذلك فان المطلوب أيضا خطوات أخرى عديدة من ضمنها استحداث تشريع يلزم من يتولى المناصب والمراكز الحكومية العليا بالكشف عن ذممهم المالية، بجانب إصدار تشريع يحرم الكسب غير المشروع من قبل أي مسؤول أو موظف عمومي، ومطلوب أيضا قانون وتشريع يفي بمتطلبات فسخ أي عقد وسحب أي امتياز او إلغاء اي مناقصة، اذا كان الفساد او الرشوة عاملا في اي منها. كما من المطلوب ايضا تعديل قانون الميزانية العامة فيما يخص الإبلاغ عن الإيرادات والنفقات في حينها واعتماد نظم جديدة للتوظيف.
 
 قد يكون مهما ان نلفت الانتباه بان كل تلك الخطوات تقتضيه وتلزم به تلك الاتفاقية الدولية وكلها مهمة في أصلها ومنتهاها، ولعله من باب التنبيه والإحاطة بان إعادة الاعتبار لقيم النزاهة والشفافية والمحاسبة، كانت من ضمن التوافقات التي خرج بها الحوار الوطني، فالمطالبة بمحاربة الفساد وتطوير وتوسعة مهام واختصاصات ديوان الرقابة المالية والإدارية للحفاظ على المال العام، ووضع برنامج تنفيذي لتطبيق توصيات تقارير الديوان وإلزامه بتحريك دعاوى قضائية ضد المخالفين والمتلاعبين بالمال العام. وتنفيذ توصيات تقارير لجنة التحقيق البرلمانية بشأن أملاك الدولة والدفان، والأخذ بنظام الحوكمة في جميع الوزارات والهيئات الحكومية، عل ذلك إن تحقق يصب باتجاه إعادة الاعتبار لتلك القيم، من دون ان ننسى دور مؤسسات المجتمع المدني التي تلام ليس فقط على انعدام دورها في مجال محاربة الفساد، وإنما أيضا لغياب اي جهد من جانبها للارتقاء باتجاهات الرأي العام لمناهضة الفساد وإدانة الكثير من الممارسات الفاسدة، اما مجلس النواب فاللأسف لا نجد فيه حتى الآن الجدية الكافية، بل ولا المصداقية الكافية التي تجعله محاربا موثوقا به ضد الفساد، ولعل الصورة الكاريكاتورية التي خرج بها نواب كثر وهم يناقشون أكثر من تقرير لديوان الرقابة المالية دفعة واحدة وفي نهايات جلسة من جلسات مجلس النواب وعدم مردودية لجان التحقيق التي شكلت كفيل بان يجعل صورة النواب مهزوزة الى ان يثبتوا بانهم جديرون بتولي ملف الفساد.
 
المطلوب التأكيد على استقلالية هيئة مكافحة الفساد وعلى حسن اختيار من سيتولى دفة إدارتها وتحصين عملها ومنع التقول على أنشطتها وأعمالها .. وحتى لا نبقى نراوح في الدائرة التي توصلنا إلى خلاصة «الفساد إن وجد» ولكم أن تستنتجوا من هذا العبارة ما شئتم..!!