المنشور

عبدالرحمن النعيمي… شمعة الأمل


هكذا إذاً، رحل عنا المناضل الكبير والبحريني الأصيل عبدالرحمن النعيمي يوم أمس 1 سبتمبر/ أيلول 2011، وذلك بعد أن لازم فراش المرض أكثر من أربع سنوات، كان معنا من دون أن نعلم ما رأيه فيما اُمتحنت به البحرين منذ غيابه عن الساحة.
 
«أبوأمل» كان أنموذج الشخصية القومية العابرة لحدود البحرين، وهو بمكانة مماثلة للنخبة العربية التي التزمت بمواقف مبدئية ولم تتزلزل أمام الأحداث الجسام، ولذا فقد كان رمزاً عربياً أينما حل في أي بلد عربي، يحتضنه أهل كل بلد، لأن معارفه تمتد من المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي، بل أبعد من ذلك، لأن اسمه معروف في كل محافل الفكر النضالي الإنساني.
 
زرتُه في منفاه بدمشق في منتصف التسعينيات… حينها كان الإجماع الوطني بشأن الحركة المطلبية همَّنا جميعاً، وكان القياديون في الداخل والخارج يرجعون إلى بعضهم بعضاً في مجمل ما كان يجري على الساحة، والجلوس مع النعيمي على مدى أيام يدخلك في عالم آخر تكتشف من خلاله شخصية معطاءة ومضحية تضع المصلحة العليا لقضايا الأمة فوق كل اعتبار… والبحرين كانت على لسانه دائماً، وفي كل ما يمارسه من عمل. كان يعمل من دون كلل، ونشاطه يعادل ما يقوم به فريق كامل. كان من أشد المخلصين لأي اتفاق يتوصل اليه مع الآخرين ولا يكسر الإجماع ولا يستفرد بالرأي. والأهم من كل ذلك لن تجد في حديثه أي سقطة لسان تحمل مضامين طائفية أو قبلية أو عنصرية، فقد كان إنسانياً في فكره، ومنحازاً للمظلومين أينما كانوا.
 
كنت قبل أن ألتقيه أقرأ له ما يكتب باسمه الحركي آنذاك «سعيد سيف»، ولكن عندما اقتربت منه تبادر إلى ذهني سؤال تكرر كثيراً منذ اليوم الأول الذي عرفت فيه شخصية النعيمي عن قرب، وهو: كيف يتمكن شخص يأتي من عائلة مشاركة في الحكم في دول الخليج ، أن يسمو فوق كل الاعتبارات القبلية والطائفية التي تسجن أكثرنا في زوايا خانقة؟ وكنت أكرر السؤال بصراحة: كيف يتمكن شخص مثل النعيمي (وهو القيادي في اليسار العربي وينتمي الى أسرة سنية عريقة) أن يقتل مسارب الطائفية في فكره ونشاطه الدؤوب، بينما يعجز غيره من الإسلاميين (من السنة والشيعة) عن ذلك؟ ترى كيف كان يرتفع بإنسانيته فوق كل هذه الاعتبارات؟
 
غادرنا «أبو أمل» أمس عن عمر ناهز الـ 66 عاماً، واختفى نشاطه عندما كان عمره 63 عاماً، ولكنه خدم قضايا العدالة الاجتماعية في البحرين وفي كل بلد له صلة به لأكثر من 40 سنة، قبل أن يجبره المرض على الانزواء عن هذا الزمن الذي ربما لا يستحق وجود شخصية مثله. لقد أسموه الأب الروحي لجمعية «وعد»، وأنا أسميه الأب الروحي للحراك الوطني غير الطائفي، وهو كان وسيبقى «شمعة الأمل» لبحرين غير طائفية
 

صحيفة الوسط البحرينية – 02 سبتمبر 2011م