المنشور

ما قبل المصالحة الوطنية


يبدو أن الحديث في الوقت الراهن عن مصالحة وطنية تعيد حالة الانسجام والتفاهم بين مكونات الشعب البحريني من الأمور الصعبة جداً إن لم تكن من المستحيلة، ومع ذلك لابد من التحذير من هذا الوضع الخطير الذي نعيشه الآن، في حالة الانقسام وصلت إلى أشدها وأصبحت تنبئ بما هو أخطر من مجرد تخندق طائفي، فهناك شعور متزايد من البغض والكره والحاجة للانتقام والتشفي والقضاء على الآخر.
 
لا يمكن للوضع الحالي الذي نعيشه إلا أن يزيد النار اشتعالاً ما لم تبادر الدولة بجميع مؤسساتها والمجتمع بكل تلاوينه، لوضع حد لذلك قبل أن تصل الأمور إلى نقطة اللاعودة ونجد أنفسنا أمام مجتمع منقسم على نفسه ويجد أبناؤنا أنفسهم يحاربون بعضهم البعض.
 
وأول ما يجب على الدولة القيام به هو إسكات جميع الأصوات والأقلام التي تسترزق من إشاعة الفتنة الطائفية وتغذيتها يومياً من خلال كتاباتها في بثّ الكره والحقد بين أبناء المجتمع، كما يجب تنبيه الصحف التي تتخذ من هذا الأسلوب الرخيص وسيلة لكسب المزيد من القرّاء.
 
هناك الآن من يدعو إلى مقاطعة التجار من الطائفة الأخرى ويهدد بتصعيد احتجاجاته كلما اتخذت الدولة أي خطوات إيجابية حتى ولو كانت بسيطة كإرجاع المفصولين إلى أعمالهم أو الإفراج عن المعتقلين بجُنح بسيطة، لمجرد أنهم من طائفة أخرى.
على الدولة إن أرادت إنهاء حالة التوتر التي تعيشها البلد أن تبدأ بإصلاحات حقيقية تدفع المجتمع باتجاه التطور للأمام، فلا يمكن حل المشاكل المرتبطة بالديمقراطية وحقوق الإنسان والمواطنة إلا عبر المزيد من الديمقراطية والمزيد من الحرية، كل ذلك يمكن أن يكون عبر حوار وطني جادّ يضع مصلحة البحرين بجميع طوائفها فوق أي اعتبار آخر.
 
لقد أثبتت التجارب السابقة بأن الحل الأمني لا يمكن أن ينجح في تجاوز الأزمات، ولا يمكن له أن يجبر الناس على السكوت عن المطالبة بحقوقها، ولا يمكن له أن يؤسس لتنمية المجتمع، ولذلك ليس هناك بديل عن الحوار، فإن كان حوار التوافق الوطني لم يستطع أن يصل إلى التوافق بين مكونات المجتمع فما المانع من تنظيم حوار آخر ثم آخر ثم آخر إلى أن نصل إلى توافق حقيقي؟
 
ما لم تقتنع الدولة بأن حالة التمزق الطائفي التي نعيشها تشكل خطراً ليس على الطائفتين فقط وإنما على الوطن بأكمله، وتبادر بطرح حلول عملية تجنِّب البلد الانزلاق الطائفي فإن تطوُّر الأحداث يمكن أن يصل إلى مرحلة الصدام لا سمح الله.
 
كما يجب على القيادات الوطنية ورجال الدين والمثقفين من الطائفتين في هذا الوقت أن يبذلوا المزيد من الجهد من أجل التقارب وإعادة الثقة حتى ولو كان ذلك في الحدود الدنيا، وألا يتركوا البحرين نهباً للأصوات الداعية للفرقة والكره، فلا يمكن لأحد في هذه الحرب أن يكسب على حساب الآخر، وإنما سيخسر الجميع.
 

صحيفة الوسط البحرينية -  17 أغسطس 2011م