المنشور

هل للديمقراطية من جدوى في عالمنا العربي؟ (1)


هذا السؤال طرحه د. محمد نور فرحات قبل عشر سنوات في كتابه «البحث عن العدل» هذا الكتاب يحتوي على بحوث ودراسات جميعها تبحث وتتأمل العلاقة بين السلطة السياسية من جانب والنظام القانوني من جانب آخر، ومدى انحياز هذه السلطة وذاك النظام لقيم الحرية والعدالة او لقيم الامن والاستقرار، وهي كلها كما يقول المؤلف حاكمة في امور الضبط الاجتماعي وفعالية القانون.
 
في البداية، يتوقف المؤلف عند هذا السؤال قائلا: رغم ما يبدو عليه السؤال في نظر البعض من سذاجة لكونه يطرح للتساؤل بديهيات مسلم بها، الا اننا نعتقد في اهمية طرح السؤال بهذه الصياغة النفعية البراجماتية مما يلقي الضوء على الجوانب المتعلقة بالتطبيق الديمقراطي وبالثقافة الديمقراطية في عالمنا العربي فاذا كانت «ادبيات الفكر السياسي بل والنضال الوطني التي دأبت على تناول قضية الديمقراطية في عالمنا العربي باعتبارها نوعا من الحق السياسي للشعوب مستخدمة حججا اخلاقية وسياسية لاعلاء شأن الديمقراطية والحط من شأن الاستبداد، اذا كان هذا التراث السياسي لم يفلح حتى الان في دفع الواقع السياسي العربي نحو المزيد من الانفتاح الديمقراطي فلا بديل امامنا من ان نستخدم لغة عصر العولمة وثقافة زمن الجات التي تقيم الوزن على الوزن لحسابات الارباح والخسائر والتكلفة الاقتصادية والاجتماعية لكل من الديمقراطية والاستبداد.

ما  الأسباب الحقيقية لفشل دعوات الاحياء الديمقراطية في العالم العربي؟ وما نتائج هذا الفشل؟ ثم هل من جديد تستطيع النخب السياسية والثقافة العربية وفي مقدمتها النخب المصرية ان تقدمه في هذا الشأن؟ هذه التساؤلات تمت مناقشتها قبل عقد من الزمن ومن ذاك الوقت الى اليوم حدثت تطورات أكثر من التوقعات وهناك انجازات سياسية متقدمة ومع ذلك لم تحقق هذه الانجازات الديمقراطية بمفهومها البعيد. في الوقت الذي يعتقد فيه المؤلف ان هناك حقيقة لابد وان تكون محل تسليم وهي الديمقراطية – ثقافة وفكراً وسلوكا – تحتل مكانة متأخرة في منظومة الوعي الاجتماعي والسياسي في الدول العربية سواء على مستوى النخبة السياسية والثقافية بكل شرائحها أو على مستوى القواعد الجماهيرية العربية، فان هناك ومضات في الثقافة العربية تدعو للديمقراطية وتبشر بها مثل كتابات عبدالرحمن الكواكبي ورفاعة رافع الطهطاوي ولطفي السيد وسلامة موسى وشعارات سعد زغلول، فهذه كلها دعوات كانت استثناء عن الاطار العام لثقافة الاستبداد العربي. وفي هذا السياق، يتحدث «فرحات» عن الايديولوجيات الاصولية مستشهدا على ذلك بحركات الاسلام السياسي المتعارضة مع الديمقراطية وهذا يرجع الى سبب واحد هو ان الايديولوجيات التي تبناها الساسة والمثقفون العرب منذ بدء التحديث هي ايديولوجيات تزعم بمنتهى اليقين والحسم احتكار الحقيقة المطلقة وبالتالي فان قبول الآخر فكراً ونظاماً هو امر يمس اسس الاخلاص للعقيدة الصافية. وعلى هذا الصعيد، فاذا ما انتقلنا كما يشير «فرحات» من مستوى الخطاب السياسي العام الى مستوى الثقافة السياسية الشعبية لما كان موقع قيمة الديمقراطية التعددية بأفضل من ذلك بكثير، اذ الكثير من البحوث والدراسات الواقعية تشير الى ان مسألة الديمقراطية والمشاركة السياسية تحتل مكانة متدنية في الوعي الشعبي العربي وحتى بين شرائح الصفوة المهتمة اهتماماً مباشراً بشؤون السياسة والحكم نجد قضايا التنمية والتحرر الوطني تتصدر اولويات اهتمامها بينما تتوارى مسألة الديمقراطية والحق في المشاركة السياسية من دائرة الاهتمام. فاذا انتقلنا الى القيم الحاكمة لمؤسسات المجتمع المدني العربي بدءا من الاسرة ثم المدرسة والمسجد والكنيسة وتجمعات السكن والمهنة بل وحتى الجمعيات والاحزاب وخاصة احزاب الاسلام السياسي لوجدناها قيما تقوم على ثقافة الاستبداد في مجتمع ابوي يجعل كل نقد أو نقاش بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار. وبعبارة اخرى، ان الاستبداد العربي ظاهرة اجتماعية ثقافية ذات جذور تاريخية وليست مجرد ظاهرة سياسية رسمية. وعلى هذا الاساسي، يستعرض الكاتب الحجج التي يرفعها الخطاب السياسي العربي لتبرير غيبة الديمقراطية أو تأجيلها ومن بين هذه الحجج التي استهدفت الديمقراطية التبرير الديني الذي يرى في الديمقراطية والتعددية أمورا لا تتسق مع تعاليمنا الدينية وهو ما يصرح به دائما العديد من ممثلي الأنظمة العربية المحافظة وهي نفس العبارات التي كانت يستخدمها القديس أوغسطين في العصور الوسطى ونحسب ان هذا التبرير هو الذي جعل الديمقراطية غريبة عن طموحات العامة في عالمنا العربي. وكذلك التبرير «التحرري» الذي يجعل من تحرير تراب الوطن اسبق واهم من تحرير المواطن والذي يجعل من الحرية الاقتصادية والاجتماعية سابقة على الحرية السياسية دون ان يعلن أصحاب هذا التبرير ان إهدار تراب الوطن وعموم الظلم السياسي هو نتيجة لغيبة الحرية السياسية والديمقراطية في كثير من المجتمعات العربية.
 
 
الأيام     13 أغسطس 2011