المنشور

أي حـوار نريـد؟


قبل أكثر من سنتين من الآن بأيام قلائل شاركت مع الأخ حسن مدن الأمين العام للمنبر الديمقراطي التقدمي في ندوة بمقر المنبر، كان موضوع الندوة يدور حول الحوار الوطني في ضوء المبادرة التي كانت مطروحة في ذلك الوقت من المنبر التقدمي في دعوته لإجراء حوار وطني.
 
الآن ونحن على أبواب الحوار الوطني الذي دعا إليه جلالة الملك والمتوقع له أن يبدأ في الثاني من شهر يوليو/ تموز المقبل، أجد أن مداخلتي في تلك الندوة مناسبة لأن أشارك المواطن في الاطلاع عليها، لتناسبها مع موضوع الدعوة القائمة للحوار الآن، مع إدخال بعض التعديلات الطفيفة عليها.
 
نحن جزء من العقلية العربية التي دائماً ما تأتي متأخرة؛ ما يجعل نتيجة ما تأتي من أجله ليست في مستوى ما هو مطلوب، إن لم تكن النتيجة معدومة. إن الدعوة للحوار الوطني ليست وليدة الأحداث الأخيرة، وليست هي وليدة الدعوة إليه من قبل المنبر التقدمي قبل سنتين، بل هي وليدة بداية العهد الإصلاحي لجلالة الملك، إلا أن الحوار لم يأتِ وتأخرنا كثيراً.
 
إنه من مصلحة النظام السياسي ومن مصلحة المواطنين ومن مصلحة القوى السياسية أن يكون هناك وطن آمن مستقر مزدهر تصان فيه الحقوق والواجبات، والحوار بين جميع الأطراف هو أمر واجب ومطلوب في كل الأوقات، ويساهم بكل تأكيد في خلق الأمن والاستقرار والازدهار.
 
على صلة بموضوع الحوار الوطني المطلوب، هناك الكثير من التساؤلات والعناوين يجب علينا تناولها والبحث لها عن إجابات.
العنوان الأول الذي أعتقد أنه مهم وذو علاقة بأيِّ حوار وطني، هو الواقع الذي يعيشه التيار الوطني الديمقراطي ذاتياً. فهل واقع هذا التيار يؤهله إلى أن يشكل رقماً فاعلاً يدع قوى الإسلام السياسي بداية أن تعطيه الاعتبار الذي يستحقه بدلاً من أن تستخدمه ورقة بيدها ساعة تشاء وتعطيه ظهرها ساعة تشاء؟ هذا التيار بيده أن يقزم نفسه تجاه الإسلام السياسي وتجاه السلطة، لذا فإن الطرفين يتعاملان معه وفقاً لذلك، وكذلك بيد هذا التيار أن يعيد الاعتبار لنفسه.
 
في هذا الشأن أطرح على قيادتي المنبر الديمقراطي التقدمي والعمل الوطني الديمقراطي التقدمي (وعد) جملة من التساؤلات، باعتبارهما الجمعيتين اللتين تشكلان الركن الأساسي لقوى التيار الوطني الديمقراطي، وهي تساؤلات كانت ومازالت مطروحة من قبل الكثيرين الحريصين على قوة وفعل هذا التيار. هل نحن نعيش وهماً اسمه التيار الوطني الديمقراطي؟ بالرغم مما تعلنه الجمعيتان بين وقت وآخر عن اجتماع بين قيادتيهما وصدور بلاغ عن الاجتماع واحتفال مشترك بمناسبة ذكرى استشهاد الشهيدين محمد بوجيري وسعيد العويناتي، هل هذا هو أقصي ما تستطيع الجمعيتان الوصول إليه؟ عندما تعصف بالوطن أحداث خطيرة كالتي جرت خلال الشهور الماضية، هل اجتمعت قيادتا الجمعيتين وتدارستا ما يجري لاتخاذ موقف مشترك، بدلاً من غطاء الرباعي والسداسي؟ ما الذي يحول دون دخول الجمعيتين في حوار معمق وجريء؟ لماذا لا تسعى الجمعيتان إلى خلق آلية تمتاز بالوضوح والشفافية نحو إيجاد طاولة حوار مستمرة تأخذ وقتاً قد يكون طويلاً تكون أداة معلنة تجاه قواعدهما وأنصارهما يشارك فيها من يملك رؤية ووجهة نظر تتناول واقع هذا التيار وآفاقه المستقبلية بدلاً من دفن الرؤوس في الرمال وتجهيل النفس والآخر؟
 
إن لم نعِ واقعنا وقدراتنا لا نستطيع الدخول في حوار مع الآخر سواء سلطة أو قوى سياسية أخرى. إن السعي نحو الحوار الوطني الشامل، وهو الحوار الذي يجب أن يشارك فيه الحكم، هو مطلوب ومرغوب فيه، لكن لا بد أن يسبقه حوار مع الذات وحوار مع بقية القوى السياسية ومن ثم التوجه للحكم لطلب الحوار معه.
 
العنوان الثاني الذي أرى أنه ذو علاقة بالحوار الوطني المنشود هو لماذا الحوار الوطني مطلوب ومرغوب فيه؟ ومن هي أطراف هذا الحوار؟ وهل التوجيه الذي قال به جلالة الملك هو أن مكان هذا الحوار هو المجلس الوطني هو ما نوافق عليه؟ هذه بعض التساؤلات، فهناك أسئلة كثيرة وعديدة لدينا جميعاً. أحاول من وجهة نظري المتواضعة أن أقول بعض الرأي فيها. لا بد لنا من أن نقر مجتمعين أن هناك الكثير من التطورات الإيجابية منذ تسلم جلالة الملك مقاليد السلطة، هذا مقارنة بحقب سوداء عاشها الوطن على مدار عقود طويلة من الزمن، لكن هذا لا يعني أن ما هو مرجو قد تحقق، وأن الأيام الجميلة التي لم نعشها ووعدنا بها قد جاءت، فمقابل ما هو إيجابي وبطبيعة الصراع ما بين الخير والشر، هناك من هم أصحاب مصلحة بإبقاء العجلة عند مكانها، بل والعمل على إعادتها إلى الخلف. لذا فإن الكثير من الملفات التي تؤدي إلى إيجاد الأرضية الخصبة لأعمال العنف المتكررة مازالت قائمة وربما تفاقم وضع البعض منها، هذا يضع الحكم أمام مسئولية تاريخية تطالبه بفتح هذه الملفات، وهي ملفات خطيرة تستدعي الحوار حولها، ليس المجال هنا لتعدادها والحديث عنها فهي معروفة لدينا جميعاً.
 
من هي أطراف الحوار المطلوب؟ إن الأمر المؤسف له في هذا المجال أن الجهات المسئولة قد اتبعت سياسة التفاوض وليس الحوار مع زعماء الطوائف سراً، وهذا يتكرر دائماً وهو ما حصل أخيراً قبل العفو الملكي الأخير، حيث بدأنا نرى مشاريع التفاوض مع زعماء طائفة، وهذا التفاوض لم يجرِ حول المسائل الوطنية التي تخص الوطن بمجمله، فالذي تسرب إلينا حول ما تم في هذا التفاوض هو بناء المآتم والمساجد وإطلاق سراح الموقوفين والمحكومين، والأمر المؤسف له هو قبول الجمعية الرئيسية من جمعيات الإسلام السياسي الشيعي وهي جمعية الوفاق الإسلامية لذلك عبر مرجعيتها الدينية، متجاهلة في ذلك بقية الجمعيات السياسية الأخرى. (كان ذلك قبل أكثر من سنتين من الآن)
 
إن أطراف الحوار المطلوب مشاركتها هي جميع القوى السياسية دون استثناء وممثلو مؤسسات المجتمع المدني وعلى وجه الخصوص اتحاد نقابات العمال والاتحاد النسائي وغرفة صناعة وتجارة البحرين والشخصيات الوطنية صاحبة الرأي والخبرة ورئيسي مجلسي الشورى والنواب وممثلي الحكم المفوضين.
 
وحول توجيه جلالة الملك ليكون المجلس الوطني المكان المناسب لإجراء الحوار، فمع كل الاحترام والتقدير لتوجيه جلالته، لكننا سنجد أنفسنا أمام علامة استفهام كبيرة ومعقّدة هي: هل المطلوب أن يتفاوض أعضاء المجلس الوطني مع بعضهم البعض باعتبارهم ممثلي الشعب المعينين والمنتخبين؟ إن التجربة طوال السنوات الماضية أثبتت أن تشكيلة المجلس المنتخب لم تكن مشجعة كي يتحاور الأعضاء مع بعضهم البعض حول القضايا الوطنية المهمة، فالاصطفاف الطائفي كان هو الغالب عليها حقاً أو باطلاً.
 
المطلوب ليس حواراً بين أعضاء المجلس الوطني، بل المطلوب هو حوار بين الحكم وقوى المجتمع.
ما هي الآلية للحوار المطلوب؟ أعتقد أن جلالة الملك بما يملك من صلاحيات ومبادرات جريئة هو القادر على قيادة مثل هذا الحوار ووضع الآليات المناسبة له. فهو صاحب مبادرة الميثاق الوطني الذي حصل على ما يقارب الإجماع الوطني عند التصويت عليه. لذلك هو القادر على إطلاق مبادرة وطنية شجاعة لإجراء حوار جريء وشفّاف حول جميع الملفات دون استثناء.
 
العنوان الثالث هو، الشروط اللازمة لتحقيق الحد الأدنى من النجاح للحوار، فليس المطلوب منا أن نكون متفائلين بنتائج هي أكبر بكثير من الواقع المتاح. إن المطالبة بتهيئة المناخات اللازمة لنجاح أي حوار لا يعني ذلك وضع شروط مسبقة كما يحاول البعض أن يصور ذلك، فالأمر الطبيعي لأيِّ عمل ناجح هو تهيئة الأسس المناسبة للنجاح. أعتقد أن الجهات المسئولة تدرك جيداً أنه دون تهيئة مناسبة للحوار الذي دعا إليه جلالة الملك، لا يمكن لهذا الحوار أن يحقق النجاحات المطلوبة. علينا جميعاً أن نقر وبوضوح وصدق وبشفافية بشرعية الحكم واختيارنا الحر له وإن اختلفنا معه وإن كنا نعارضه في الكثير من السياسات، علينا أن نرفض وبوضوح بعض الخطابات التي تصدر من هنا أو هناك وهي خطابات ضارة بالعمل الوطني وبحقوقنا المشروعة. قد يسأل البعض هنا عن الخطابات التي أقصدها، فأقول بوضوح هي خطابات تصدر من بعض الناشطين في العمل السياسي في داخل البحرين وبعضها يصدر في خارج البحرين من أشخاص اختاروا لأنفسهم خطاباً متشنجاً بعيداً عن الواقع.
كذلك على الحكم أن يكون واثقاً أننا حريصون على استتباب أمن هذا الوطن وازدهاره، بمثل ما نحن حريصون على نيل الحقوق المشروعة، بمثل ما نحن حريصون على رفض السياسات الخاطئة، يجب علينا أن نكون حريصين على النضال السلمي البعيد عن كل أشكال العنف قولاً وفعلاً.
 
هذه عناوين قليلة لموضوع كبير، بالتأكيد لدى الجميع ما يختلف عما قلته ويضيف إليه
 
شوقي العلوي
صحيفة الوسط البحرينية –  09 يونيو 2011م