المنشور

دخول حاد في الليبرالية


لم يعد الدخول في النظام الليبرالي الديمقراطي الحديث مسألة تنظير أو تحضير، بل توجه المجتمعان المصري والتونسي إليه.

لم تعد الرأسمالية على النمط الغربي على مرمى حجر بل دخل المجتمعان فيها، وبفواتير مثقلةٍ من التخلف والبطالة والفساد كذلك، والخروجُ من الواقع والماضي صعب، وتشكيل حاضر جديد أصعب.

الهيئتان الحكوميتان الشموليتان المانعتان أُبعدتا بشكل ليس كليا، فلا تزالان تقومان، وتفجران العجلات السائرة بالألغام وبقوى الفوضى والإجرام وبالمشكلات الدينية والاجتماعية التي تبدو قضايا نضال وحق زائفة.
الهيئتان الحكوميتان السابقتان سرقتا المجتمعين بشكل حاد، في مصر أكثر من عشرة ملايين إنسان يعيشون في سكن عشوائي، ثروة أسرة مبارك تُقدر بأربعين مليار دولار لم تحصل الحكومة على شيء كبير منها حتى الآن، وتبلغ ثروات الرأسماليين الحكوميين والمتعاونين معها أضعافاً مضاعفة على ذلك، لكن كيف تُحصل وتدخل عجلة الاقتصاد؟ ثروة العائلة الحاكمة في تونس أكثر من عشرة مليارات من الدولارات حسب الجردة الأولى.

وقُدرت فاتورة الفساد سنويا ما بين 6 و10 مليارات سنويا في مصر، ونفختْ المساعداتُ الأمريكية في تكوين طبقة من رجال الأعمال المرتبطين بها ويتم بذلك ربط هؤلاء بالشركات الأمريكية والسياسة الأمريكية.
وقُدرت خسائر الاقتصاد المصري من تكون طبقة المحاسيب المتعانقة ماليا مع الحكومات المصرية والأمريكية بنحو 343,2 مليار جنيه، وجاء أغلبها من التهرب الضريبي والفساد والجريمة والهجوم على الأراضي الزراعية، حسب جريدة الأهالي، 7 يونيو .2011

يؤدي الفساد إلى هروب الشركات وتضاعف كلفة الخدمات المقدمة للناس، وعلى نشوء الاحتقانات الاجتماعية، وعدم نمو البنية الاقتصادية بشكل معقول.

الطبقة المسيطرة على الاقتصاد المصري لم تنته، وشكلها السياسي الحزب الوطني وبعض الإدارات الحكومية انتهت من فوق السطح السياسي لكنها لم تُزل.
قوى البرجوازية الجديدة الديمقراطية المرشحة للوصول إلى الحكم اكثر من غيرها التي تريد أن تشارك في العملية السياسية من موقع المؤثر الفاعل مشتتةٌ، في أشكالِ وجودِها السياسية، وهي تتكون أساساً من الليبرالية ذات التوجهات الحرة المماثلة للتوجهات الغربية ويجسدها الوفد، وهناك أيضاً شريحة قوية معروفة من قوى برجوازية ذات أصل ريفي تؤيد الحريات الاقتصادية من دون الحريات الاجتماعية والفكرية، وهي جماعة الاخوان المسلمين التي شكلت واجهةً سياسية جديدة لها باسم «حزب الحرية والعدالة»، ومن المؤمل أن تحرك العمليات الاقتصادية السياسية الحرة مع بقاء الجذور الدينية المحافظة، وقد بدلتْ شكلَها السياسي المُعلن فضمتْ المسيحيين والنساء وأبعدتْ اللغةَ الخطابية الدينية من عملها السياسي بمقاربة معينة للعلمانية التي ترفضها.

لكن ثمة حراكا سياسيا قويا في جماعة الإخوان فبرز الجيل الجديد من الإخوان رافضاً الجيل القديم، طارحا خطابا سياسيا حداثيا، ومن أهم رموزه حزب الوسط، الذي يقرأ الواقع بشكل تركيبي وتحليلي واسع، محدداً خطاه عبر الارتكاز على قوى طبقية معينة هي الفئات الوسطى والفقيرة، مكونا بينهما تحالفًا إجتماعيا، طارحا خريطة سياسية علمانية، بفصل الدين عن الدولة وتشكيل دولة المواطنين، والقيام بإصلاحات اقتصادية واجتماعية عميقة في ميادين الاقتصاد الصناعي كافة وبإصلاح عميق للزراعة، وهي أمور تحدد علاقة الجيل الجديد من الفئات الوسطى المتدينة العلمية بالتحولات الديمقراطية العالمية المتسارعة.

وهذا التنوع في الإخوان وانفضاض الجيل الجديد عن القديم، يتجسدان في تركيز الجيل الجديد في الحداثة، ووضعه الإسلام والمسيحية كقاعدتين حضاريتين، والتركيز الكبير في السياسة والبرامج الاجتماعية والاقتصادية، ومعالجة ذلك عبر الأطروحات والمناهج الاجتماعية السياسية الغربية المتطورة. فهنا هوة بين الجيل القديم من الإخوان الذي عاش على الأدبيات العربية القديمة، والجيل الجديد الذي ظهر في الجامعات المصرية والغربية خاصة.
فيما الوفد يكتفي بشعارات عامة قديمة ليبرالية تعبر عن فجوة علاقته بالمجتمع خلال العقود الأخيرة.

الشرائح المتعددة والكثيرة من اليمين تتوجه لوراثة الحزب الوطني، في المستوى السياسي الحاكم، وهي متضادة بين جناحيها المدني التحديثي، وجانبها الريفي التقليدي، بين قوى تعتمد على منظمات رجال الصناعة وعلاقاتهم بدوائر الحكم، وقوى تعتمد على المؤسسات الدينية والاجتماعية، وستقوم بتحرير الأجهزة من الفساد والتوجه لتطورات اقتصادية حرة واسعة، نحو تكوين طبقة برجوازية حاكمة جديدة متبدلة المواقع عبر الانتخابات، متأثرة بصراع القوى الشعبية والعمالية الرافضة سيطرتها الكلية على الحياة السياسية.

إنها أول طبقة برجوازية حرة تتسلم السلطة بعد عقود من العسكرة، لكنها ستعمل لمصالحها كذلك، ولن تؤيد حراك العمال الواسع النطاق. إنها مقاربة للغرب تخضع للممارسة وللتجربة القادمتين، ونرى إذا ما كانت قادرة على تكوين تطورات اقتصادية نهضوية واسعة، ومعالجة الخلل في البناء الاقتصادي، حيث أجنحة البرجوازية متجهة لقطاع العقارات والخدمات بشكل أساسي ومهملة قطاعي الصناعة والزراعة، وإذا ما كانت قادرة على رفع مستوى معيشة الأغلبية.
اليسار سوف يكون له حضوره عبر القوى الشبابية الجديدة والقديمة، وسينجح في اختراق القوى الكبيرة ويشكل مراقبة شعبية على أداء اليمين ويركز في القضايا المعيشية والأجور ورفع مستوى الخدمات.
 
أخبار الخليج 11 يونيو 2011