المنشور

المعطى الخارجي في الزوابع العربية


في انعطافة حادة ومدهشة، وضعت حداً لعقود من الستاتيكية الجامدة لحد السأم، فجأة وعلى حين غرة وُضع العالم العربي من أقصاه إلى أقصاه على صفيح ساخن . فما أن أطل العام الجديد 2011 برأسه حتى انتقلت الثورات وحركات الاحتجاجات المنظمة من بلد عربي إلى بلد عربي آخر، مستهدفة إحداث تغييرات في البنى الفوقية (السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية) القائمة .
 
فما تفسير هذه الانفجارات المتداعية التي أضحى العالم العربي بسببها محط اهتمام العالم وانشغاله وتدخلاته السافر منها والمقنع؟
 
ما من شك في أن بقاء معظم العالم العربي على مدى خمسة عقود ونيف مراوحاً في مكانه (محلك سر) في ما يتصل بالتنمية السياسية، في ذات الوقت الذي كانت دينامياته الداخلية تفسح في المجال لدواليبه الاقتصادي وقواه المنتجة، قد أفضى إلى المآل الدراماتيكي للأحداث التي تشهدها منطقتنا العربية على نحو غير معهود بل ومثير للقلق . بمعنى أن جعبة العالم العربي كانت حُبلى بالعناصر والعوامل الموضوعية الداخلية المتجمعة والمتراكمة على مدى الفترات الطويلة من شبه الركود أو المراوحة اللذين طبعا البنى الفوقية  من دون البنى التحتية  للمجتمعات العربية .
 
إنما السؤال الذي تستدعيه الحيرة والدهشة العاقدة للسان في هذه الأحداث الدراماتيكية، والذي صار طرحه الآن أكثر إلحاحاً هو: هل كانت  ولا تزال  العوامل الداخلية هي وحدها فقط المسؤولة عن تحريك تلك الأوضاع شبه الراكدة؟ ربما من فرط الدهشة والانفعال الإعجابي بهذه التحولات الكبرى التي فجرتها الاحتجاجات الشعبية العارمة، لم تحظ “الأنوف” الخارجية المدسوسة في حمأة تلك الأحداث بالاهتمام والتركيز اللذين تستحقانهما، مع أن حضور أصحابها الساطع والواضح، لحد الفجاجة أحياناً، في ذلكم المشهد العربي المتحول، كان شاخصاً بصورة لا تخطئها عين .
 
منطقتنا العربية ليست كما بقية المناطق العالمية كأمريكا اللاتينية بوجه عام على سبيل المثال التي يمكن أن يقل فيها حضور العامل الخارجي إذا ما أرادت عواملها الداخلية التعبير عن دنو أجلها في إحداث التغيير والتجديد في بناها المختلفة . منطقتنا العربية عدا عن كونها أحد أهم المرتكزات الاستراتيجية لجهة الجغرافيا، فإنها الأهم في العالم على الإطلاق بالنسبة لحقن الاقتصاد العالمي يومياً بما يحتاجه من مصادر طاقة تقليدية أساسية (النفط والغاز)، وهي ثروات كانت قد أسالت  ولا تزال  لعاب الامبراطوريات الاستعمارية القديمة والجديدة وطواغيت رأس المال، الغربي خصوصاً، الطامعين في الفوز بالامتيازات الحصرية لهذه الثروات . وهي  أي منطقتنا العربية  تبقى على الدوام في صدارة اهتمامات واستراتيجيات القوى العظمى وشركاتها وممثليات مصالحها على اختلافها .
 
فهل توقيت وتزامن تداعي كل تلك التحركات الاحتجاجية المتقافزة من بلد عربي إلى آخر، وفقاً لجداول زمنية محددة ومتقاربة، هو محض صدفة؟ فأي صدفة هذه التي تجعل عوامل التفجير الداخلية (الركود السياسي والفساد والتهميش والفقر والإفقار وانسداد الأفق) تنضج وتنفجر في وقت واحد حتى لو سلمنا بوحدانية المزاج العربي العام وتبادل تأثيراته؟
 
لن نبادر للزعم بوجود العامل الخارجي في الأحداث التي تشهدها منطقتنا العربية، فنحن لسنا مضطرين أصلاً للقيام بذلك، ما دام المراقب المتمعن في الأحداث هو نفسه لن يجهد نفسه طويلاً، إذ سيجد أن كل معطيات المسألة موضوع معاينته مفروشة أمامه بالتمام والكمال متجلية في غزارة تصريحات كبار المسؤولين الأمريكيين والأوروبيين والآخرين في النواحي المحاذية والمجاورة للإقليم العربي، وتكثف زيارات مندوبي الدول الغربية، سراً وعلانية للمنطقة، وترتيب وتنظيم الاجتماعات واللقاءات التنسيقية الدولية على نحو عاجل وسريع، بما في ذلك مجلس الأمن للبت في القضايا المتعلقة بأحداث منطقتنا واتخاذ القرارات الجاهزة مسبقاً بشأنها .
 
طبعاً هذا لا يعني أننا نقلل من شأن عوامل التفجير الداخلية . إطلاقاً، ولكن علينا بالمقابل أن نتفكر في ما وراء وفي تبعات هذه التداعيات المثيرة للأحداث في منطقتنا “المخفورة”، كما قلنا، بحضور غزير وثقيل ومتنوع للعامل الخارجي بأجندات غير معلومة بواطنها، وإن أشيعت ظواهرها .
 
حرر في 22 ابريل 2011