المنشور

الدولة الدينية الطائفية لا مكان لها والقوى الدينية تحاول عرقلة التغيير الشبابي


إيران دولة جارة، وهي كذلك دولة مهمة ولها تاريخ حضاري معروف، وساهم كثيرون من علمائها في الحضارة الإسلامية التي نفتخر بها، واستفدنا، نحن في الكويت، كثيرا من علاقتنا التجارية النشطة معها في فترات سابقة، ويهمنا أن تكون علاقتنا بها جيدة.

ولا ننسى، كذلك، انه عندما نجحت الثورة الخمينية في إيران استبشرنا خيراً عندما قطعت علاقتها الحميمة مع العدو الصهيوني، وسلمت سفارته في طهران الى منظمة التحرير الفلسطينية، ونحن لم نؤيد صدام حسين في احتلاله الأراضي الإيرانية لأننا نعتقد أن الخلافات بين دول الجوار يجب ان تحل سلمياً لا بالقوة. وهذه عقيدة متجذرة لدينا لسبب بسيط جداً، هو أننا الدولة الأضعف في المنطقة، وتأييد استعمال القوة سيرتد علينا بصورة عكسية، عاجلا أو آجلا، ولهذا تحملنا، برحابة صدر، كل الانتقادات التي وجهت إلينا. وقد تأكدت صحة موقفنا بشكل واضح عندما وجدنا أن صدام حسين قد استعمل القوة لحل مشاكله، كما يدّعي، مع الكويت باحتلالها.
لهذا كله، كنا نتوقع من إيران موقفا عاقلا بالنسبة لما يجري في المنطقة العربية.

لم يكن مقبولاً أو معقولا اعتبار الثورة الشبابية في مصر حركة دينية كالثورة الإيرانية، لأنها، بكل بساطة، ليست كذلك. فشباب مصر مثلوا كل الأديان في رفضهم شتى أنواع الوصاية، وكل الأحزاب والأيديولوجيات الأثنية أو الدينية، وهم بطبيعة الحال ضد قيام دولة دينية في مصر..

وإيران، في المقابل، اتهمت الشباب الإيراني الذي بث صوراً عن حقيقة تعامل الأجهزة الأمنية الإيرانية مع احتجاجاتهم على مشاهد رأوها أثناء الانتخابات، بالخيانة والعمالة، مع ان ما قاموا به هو ما قام به نفسه شباب مصر وتونس. فالحكم في إيران ديني متشدد لا مكان فيه للرأي الآخر. والرأي الآخر ليس ممنوعاً فقط، بل يعدم من يتهم بذلك، حتى لو كان من المؤسسة الدينية نفسها.

لقد احتلت إيران المرتبة الأولى في عدد الأحكام بالإعدامات في العالم أجمع، ويحزننا أيضاً ان دولة مثل ايران، الغنية بمواردها الطبيعية، يضطر سكانها الى الهجرة نحو الدول المجاورة وتحمّل الغربة للحصول على لقمة العيش لعائلاتهم.

ان الدول الدينية في منطقتنا هي في المؤخرة بالنسبة للدول المتقدمة في العالم، لانها تخالف التطور المستمر في العالم الذي يهدف الى التسامح والاخوة الإنسانية وسعادة البشرية جمعاء من دون أي تمييز.

وهنا نأتي الى ما يجري في الشقيقة البحرين، فهناك حقائق يجب ان يعرفها الجميع، الشعب البحريني بأغلبيته ينتمي الى المذهب الشيعي، والذي أكدت الأمم المتحدة تمسكه بعروبته وإخلاصه لبلده البحرين، وقد رفض بأغلبية ساحقة ادعاءات الشاه بأنه جزء من إيران.

كذلك، فإن الحركة الإصلاحية البحرينية، منذ خمسينات القرن الماضي، لم تكن طائفية، فقد شاركت فيها قيادات سنية وشيعية، وهي كذلك الآن، حيث بدأت تطالب بإصلاحات مستحقة تحدث عنها الملك في بداية توليه الحكم، وكان لنا شرف حضور نقاش مطول معه وبمشاركة بعض القيادات البحرينية الشعبية. بالطبع، هذه الأمنيات لم تتحقق، والكل يعرف السبب، ولا نريد الدخول في التفاصيل، بل يكفي القول إن الحاكم المصلح أول ما يواجه به هو معارضة من العائلة الحاكمة، كما حصل للراحل عبدالله السالم الصباح عندما وقع على دستور 62.

فالعنف الحاصل بدأت به قوات الأمن الرسمية، ولم يكن مبرراً، إلا إن العنف، كعادته، يقابله عنف مضاد. وهنا تكمن المصيبة، التي تطغى فيها صيحات المتعصبين على فصاحة الإصلاحيين.
ولهذا، رأينا عنفا مضاداً تتصدره قوى دخيلة ترفع شعارات ومطالب هي بعيدة تماماً عن الواقع البحريني، وعما تريده الأغلبية الساحقة من الشعب البحريني التي تريد إصلاحاً حقيقياً لا انقلاباً.

وللأسف الشديد، فقد نجحت هذه القوى الدخيلة، ذات الأجندات الخاصة، في تحويل التحركات الإصلاحية الى صراع طائفي بغيض أخذ يلف المنطقة كلها، وأتاح للتطرف المضاد الفرصة لتمزيق المجتمع، ليس في البحرين فقط، بل وفي المنطقة كلها، ليفرض نظريته الخاصة بالدولة الدينية على الجميع. وهذا ما نعيشه الآن.
لماذا؟ لأن الحركة الشبابية العربية، الممتدة من المحيط الى الخليج، قد اثبتت أنها، بما تمثل وتطرح من أفكار، تعبر عن مطالب الأغلبية الساحقة من الشعب العربي، وهذا الأمر يشكل خطراً على كل ما هو موجود، بما فيه الحركات الدينية التي أحست بالخطر وأخذت على عاتقها تدمير هذه الحركة الشبابية الطاهرة بإثارة الفتنة الطائفية، مثلها مثل باقي القوى المتضررة. ولعلنا الآن نستشف مبرر التحالف بين العسكر والاخوان المسلمين في مصر.

نحن نستطيع ان نفشل هذا المخطط بفضحه، بدل الانخراط فيه من دون وعي والإسهام في إنجاحه، وهذه هي مهمة العقلاء الذين يدركون خطورة ما يجري.
فالنار لا نسكب عليها زيتاً بل نحاول إطفاءها.
 

الطليعة الكويتية 23 مارس 2011