المنشور

جرح البحرين كبـير جـداً


في يوم الاثنين (14 فبراير/ شباط 2011)، أصبح «دوار اللؤلؤة» محوراً للأحداث المتتالية. وحاولت الدولة منع المحتجين من الوصول إليه، ولكنهم انتصروا في 15 فبراير، ودخلوه معتصمين ومخيمين، لتعود القوات وتقتحم الدوار في 17 فبراير (يوم الخميس الدامي) وليقوم ولي العهد بعد ذلك بأمر الجيش بالانسحاب، وذلك بعد أن اكتسب المحتجون تعاطفاً دولياً بسبب اعتدال المطالب ومشروعيتها وسلمية الأساليب.
 
ولكن حدث تطور مفاجئ، إذ قامت جهات نافذة بتحشيد الطائفة السنية ضد الطائفة الشيعية… واستشعر بعض المتحركين في الساحة العامة أن عليهم توحيد صفوفهم (وهذا من حقهم) وتم تأسيس “تجمّع” في مركز الفاتح في مقابل المحتجين المعتصمين في الدوار.
 
مقاربة الحوار لمبادرة ولي العهد طرحت فكرة لقاء يشمل «تجمّع الفاتح» مع المعارضة التي تتصدرها جمعية الوفاق، وأن يطرح كل طرف ما لديه، وبعد ذلك يمكن الوصول إلى «ما يرضي الطرفين». غير أن هذا الطرح رفض من قبل رموز المعارضة، على اعتبار أنهم ليست لديهم مشكلة مع من يود التجمع في أي مكان، وأن المشكلة أساساً مع من لديه مطالب من جانب، ومع من يمثل الحكم من جانب آخر. وإلى هذا الحد كانت المعارضة متماسكة، ونسقت سبع جمعيات سياسية فيما بينها للمطالبة بإصلاحات جذرية تحت سقف الملكية الدستورية.
 
في هذه الأثناء، ازدادت النشاطات في دوار اللؤلؤة، وأطلق سراح المعتقلين في عدة قضايا، ومن ثم نشطت حركة شباب 14 فبراير التي تطورت بصورة سريعة، وبدا أن الجمعيات السبع ليست هي اللاعب الوحيد في ساحة المعارضة… وتحركت أجندة المطالب، وتوسعت حركة الاحتجاجات لتشمل خروج مسيرات يومية، ومن ثم الانتقال للتخييم أمام مرفأ البحرين المالي، وبعد ذلك تعطيل الشارع العام.
 
في هذه الأثناء أيضاً، تم تنفيذ خطة جر الساحة إلى الطائفية عبر تحشيد شباب بعض المناطق، وتشجيعهم على إقامة نقاط تفتيش، وحمل ملثمين السلاح الأبيض، والاعتداء على الناس والمحلات بهدف إشعال فتيل الطائفية بشكل وصل إلى قناعة الشيخ يوسف القرضاوي بأن هذه الانتفاضة طائفية وليست وطنية. وانعكس هذا على مجمل التحركات الإقليمية مع دخول الفضائيات التي أثارت الجانبين، وأصبح هناك الكثير من الهرج والمرج والاتهامات.
 
أجندة المعارضة السلمية والمشروعة والتي اجتذبت تعاطف الرأي العام العالمي لم تستطع منع توريطها في مشاحنات وفتنة طائفية لا علاقة لها بها من الأساس. ولكن السياسة تبقى هي السياسة، وهناك من شعر (من هذا الطرف وذاك) بأنه سيخسر فيما لو تناغمت البيئة المتحركة مع التعاطف الدولي ومع الاستجابة الرسمية (حتى لو لم تكن كاملة كما سعى إلى ذلك المحتجون).
 
في 12 مارس/ آذار 2011 استقبل كلٌ من جلالة الملك وسمو ولي العهد وزير الدفاع الاميركي روبرت غيتس الذي أكد ما قالته القيادة الاميركية بشأن ضرورة التوصل الى اتفاق مع المعارضة عبر خطوات ذات معنى وأكبر مما كان مطروحاً حينها. وفي 13 مارس طرح ولي العهد 7 مبادئ للحوار، ولكن قبيل ذلك حدثت نكبة أمنية – سياسية بعد أن حاولت قوات الأمن تفريق المحتجين أمام مرفأ البحرين المالي… وفي مساء 13 مارس، بدأت مجموعات مسلحة تجوب المناطق السكنية المحسوبة على المعارضة وتطلق النار الحي، وبعد ذلك يخرج الأهالي وتحدث صدامات، وكانت ليلة تمهيدية لإعلان دخول «طلائع قوات درع الجزيرة المشتركة» إلى البحرين في 14مارس، ومن ثم إعلان حالة الطوارئ في 15 مارس، ومن ثم اقتحام دوار اللؤلؤة في 16 مارس وفرض حصار أمني على مستشفى السلمانية، واعتقال أمين عام إحدى الجمعيات السبع إبراهيم شريف، بالإضافة إلى رموز «حق» و «وفاء» وطبيبين من أفضل جراحي البحرين. وفي يوم الجمعة 18 مارس 2011، دمرت السلطات «دوار اللؤلؤة» في محاولة لمحو ذكرى ما حدث، ولكن محو الذاكرة ليس ممكناً سواء بقي الدوار أم دُمِّر.
 
وهكذا نصل اليوم إلى «بحرين الأشباح» المحاصرة بنقاط التفتيش العسكرية، والمملوءة بالأوساخ بسبب عدم توافر الخدمات البلدية، وبسقوط نحو 20 قتيلاً من المواطنين والمقيمين ورجال الأمن، ونحو ألفين من الجرحى والمصابين، واحتشاد وتحشيد طائفي.
 
جرح البحرين كبير جداً… ولم تعد المشكلة تتعلق بهذا أو ذاك، وإنما تتعلق بالناس الذين يتعذبون، وبالوطن الذي يتمزق، وبالتناحر على نتائج يُعتبر الرابح فيها خاسراً مهما علت قوته المادية. لقد تحولت البحرين من«لؤلؤة الخليج العربي» إلى جزيرة أشباح، وأصبحنا جميعاً مسئولين عن إعادتها إلى مجدها، عبر تماسك مجتمعها، ورفع شأن أهلها من دون إذلال، وتحقيق المطالب التي تلبي طموحنا نحو تحقيق حياة حرة كريمة تتناسب مع القرن الحادي والعشرين.
 
 
صحيفة الوسط – الأحد 20 مارس 2011م