المنشور

إصلاحات ضرورية


تكلم كثيرون عن التغيير وعن الإصلاحات التي وُعدت بها الناس، وعن البيوت للجميع، وعن الشفافية، وعن الحرية، ونزلت أوراق من الحلم والمطر على المدن، ورقدت الشعوب على الخطب الرنانة، ومخدات العسل.
قالوا: نحن العرب والمسلمين لنا قوانين أخرى غير البشر، ليس علاقة بهذه الديمقراطية والعلمانية والتحديث وقوانين الانتخاب وقانون القيمة وقانون الريع.

لكن اليونان أفلست، وإيطاليا اهتزت، وتراكض الدائنون والجزعون إلى اسبانيا المتقلقلة، تكاد تلحق باليونان.
العرب والمسلمون يقولون نحن لا علاقة لنا بهذه القوانين والدساتير، نحن لدينا وثائق لا تبلى مع الزمان والحدثان ومعنا الحرس الجمهوري وجماعات الأمر بالمعروف وسجن أبوزعبل.

هل نحن الذين لدينا الأماكن المقدسة نهتز من إفلاس أصحاب البيوت الخاصة المعروضة في المزاد مثل الأحذية؟ هل نحن الذين لدينا الأهرام الشامخة التي تمطرُ ذهباً نهتمُ بصناديق الاقتراع وما يُسمى بالأزماتِ الاقتصادية ولصوصية البيروقراطية؟

لكن البضائع والنقود وقوانين الاقتصاد لا تعرف المجاملات، مهما تشدق أحدُهم بأنه من أصلٍ نبيل وأنه لديه الكثير المُخبأ، الفواتير والديونُ تظهرهُ على حقيقته وتفضح جيوبَه الخاوية.

الأزمات الاقتصادية العاصفة تسحبُ البلدانَ إلى غليانها بلداً بعد بلد، والبدلات الغالية الأسطورية للرئيس تغدو مكلفة وتنخر الميزانية، ويغدو المعاونون والسكرتيرات الجميلات والجزر المخصصة للراحة والطائرات الفخمة التي صُنعت لسيادته والاستجمام والشركات الخاصة لأقرباء الرئيس والخدمات الانسانية التي تقدمها حرمهُ للبشرية المعذبة وللثقافة الإنسانية، كلها تصير خانقةً للأطفال الجوعى الذين يُولدون في الحارات المكتظة وفي المقابر.

الجمهور الغافي على أساطير الشرق وسيمفونية العائلة المتحابة السعيدة يستيقظُ على كوابيس، فعلى الرغم من المحبة الوطنية العارمة فقد تم تسريح كثيرين من الشركات بسبب ظروفٍ خاصة إجبارية، والوطن يتقطعُ ألماً من أجل هؤلاء البوساء الذين تشردوا وتغربوا في فيافي الأرض وتقطعتْ بهم السبل بين تماسيح افريقيا وسجون اسبانيا.

لكن الوطن يحتفظ بجماعات كبيرة من العازفين على ألحان العائلة السعيدة المتحابة، الذين يكتبون أغاني الوفاء والحب هذه، التي لم تغير منذ عقود، وعلى خدم الاستراحات، وحشود الموظفين الذين ينظفون آلات الغناء العتيقة.

الجمهور الذي اكتوى بالضرائب العالية التي تطلع على جسمه مثل الحشرات السامة، وبالكاد يقبض على أجوره المتبخرة، ويصل إلى أنفاقه السكنية في عمق الحارات وغابات المدن، قامَ بنفسه ليصححَ الميزانيات التي لم تُكتب بشكلٍ صحيح من قبل علماء الرياضيات الحكوميين وجهابذة الاحصاء أصحاب الشهادات العالية، ويفرق بين المال الداخل في الجيوب والمال الشحيح الذي بالكاد يصل للقلوب، ويكشف البلاطات الكبرى القوية التي وقفت تحرسها الدبابات، فإذا مليارات رابضة في الظلمات، معدة فقط لليالي الحزينة للرئيس وعائلته التعسة الضجرة، وراحت أيدي الجماهير تحفر وتستخرج وتبحث فإذا المليارات في متاجر في ألمانيا، وصناديق في سويسرا، وعبرت المحيطات المظلمة وتوارت في أمريكا الشمالية والجنوبية.

وسالت دموعُ التماسيح وظهر ثوريون كثيرون وقادة أشراف وضباط كبار أشبه بتماثيل الدول المصرية القديمة خرجوا من توابيتهم، وظهرت دساتير عديدة، ومواد تحاول أن تقول (نحن يا جماعة الخير عرب ومسلمون ونختلف عن البشرية ولا نريد هذه الدول الديمقراطية العلمانية الكافرة)، لكن الجمهور الذي لم يدرس القانون جيداً، ولم يقدم أطروحات الدكتوراه في التضليل الثقافي، تقدم مرة أخرى، يبحث في الورق المتطاير من الفضائح والمؤامرات وعقوله المتعددة مشوشة، فالسادة لا يتخلون عن أملاك الشعب بسهولة، والمواقع لا تكفي والجرائد الحرة بدأت في الظهور ويبدأ يتعلم ويصلح في معركة طويلة ليعثر على أملاكه الضائعة ويرتب أوضاعه المأساوية.

الشعب يريد أن يحيا كبشر، يريد أن يحيا سعيداً كريماً.

أخبار الخليج 14 مارس 2011