المنشور

عيد المرأة وفرحها المؤجل – راهبة الخميسي


يحتفل العالم يوم غد الثلاثاء, الثامن من آذار, بعيد المرأة العالمي, وهو اليوم الذي أقرته الأمم المتحدة في عام 1977 ليكون عيداً سنوياً للمرأة في العالم كله.
لقد اضطهدت المرأة عبر العصور بسبب المجتمعات الذكورية, التي كانت مهيمنة على الأوضاع الاقتصادية, والسياسية, والاجتماعية, واستطاعت عبر سلسلة من النضالات, من انتزاع قسما من حقوقها في عدد من الدول, بل وتحقيقها كلها في دول أخرى كالدول الأوروبية.

أما المرأة العراقية فقد عانت دهراً طويلاً وهي مستلبة الحقوق, في ظل القوانين المدنية, الى جانب الاضطهاد المبرمج ضدها, ولا تزال.
لقد كانت المرأة العراقية لفترة طويلة, تعاني من التسلط الذكوري في المجتمع, وتعرضت الكثير من النساء العراقيات للوفاة أثناء حالات الولادة¬ بسبب قلة الرعاية الصحية, والجهل حيث كانت الأمية متفشية, وشروط الصحة والرعاية شبه مفقودة, وكانت حياتها مسخرة للحمل والولادة وخدمة الزوج والأولاد.

وكان قرارها وتفكيرها المستقل, يعتبر جريمة بحق الدين والمجتمع.

ولم تلق المرأة العراقية إنصافاً لإنسانيتها سوى لفترة قصيرة أبان حكم الزعيم عبد الكريم قاسم(1958_1963) في ظل قانون الأحوال المدنية, المستحدث آنذاك, والذي تم إلغاؤه بعد مقتل عبد الكريم قاسم على يد الانقلابيين في شباط الأسود عام 1963.

ومنذ ذلك التاريخ, والمرأة في العراق تدفع ضريبة باهضة من روحها وعواطفها وجسدها وعقلها واستقرارها, فداءا للزوج والابن والاخ والحبيب, الذين احترقوا في حروب صدام الداخلية والخارجية, والباقون أصبحوا أما معاقين أو عاطلين أو ناقمين على كل رموز المجتمع المدني, وأولهم المرأة.

ولم تتوقف المرأة العراقية, عن النضال والتصدي للعسف والظلم, رغم أنهار الدم والمقابر الجماعية, ورغم إهدار دمها من قبل ذويها وأفراد عائلتها, بحجة الدفاع عن الشرف ودون أي عقاب أو قانون, ففي عام 1991 أصدر النظام المقبور(قرار مجلس قيادة الثورة) تعديلا لقانون العقوبات العراقي رقم 111 أباح فيه قتل المرأة من قبل ذويها, أو أي فرد من عائلتها بحجة ارتكاب الزنى, ودون أي عقاب جنائي, بل جاء مخففاً, وهذا مثل صارخ للقوانين والإجراءات الوحشية, وغير الإنسانية لذلك النظام الفاشي, ضد المرأة.

أما القرار رقم 474 في عام 1981 والقاضي بمنح العسكري مبلغ أربعة ألاف وخمسمائة دينار, مكافأة إن هو طلق زوجته التي من أصول تبعية إيرانية, والف وخمسمائة دينار للمدني, لنفس السبب, مما فرق العوائل وشتت الأسر, وانصب إجحافه بالدرجة الأولى على المرأة بالطبع.

ولقد أثقلت الحرب العراقية الايرانية, على كاهل المرأة العراقية, فكانت هي التي تؤمن لقمة العيش لاسرتها, حيث الاب أو الاخ أو الزوج غائب في جبهات القتال, أو شهيد, أو مفقود.

لقد فاقت المرأة العراقية, الكثير من نساء العالم, وخيمت عليها السلطة الذكورية بامتياز عصوراً طويلة, ولم تتطور, ولم تستطع ان تواكب, وبقيت تنجذب الى الوراء, وعاشت تراكمات عديدة, ولم تقدر على تحرير نفسها الا برفض الاستبداد باسم الدين مرة, والقومية مرة اخرى, والطائفية مرة ثالثة, وهو السلاح الذي ترفعه القوى الظالمة في المجتمع لتخويفها واضعافها وتهميش دورها.

وتبقى الهواجس في امكانية نجاح مهمة المرأة, اذ لازالت المخاوف قائمة من هيمنة التيارات الدينية والقومية والشوفينية, وردود الافعال المتعصبة والعنيفة لذلك على حد سواء.

ولكن بالرغم من التفاؤل بضوء النصر الذي يلوح في الافق, حتى بعد تعثر العملية السياسية في بلادنا, نحن بحاجة الى قادة سياسيين يرسمون طريق البلاد لبناء دولة ديموقراطية مستقلة, يستند الحكم فيها الى مفهوم المواطنة والحرية والمساواة.

ان الاحداث المتسارعة في المنطقة العربية, لهي مؤشر واضح للساسة العراقيين, بأن مرحلة جديدة قد بدأت, وقيادات جديدة ظهرت, وستظهر, لتقلب الخارطة السياسية, في العراق والمنطقة, ولا تعرف أبعادها.

وعلى الرغم من التشكيلات الوزارية الاخيرة التي همشت دور المرأة العراقية, والتي عكست مافي داخل الساسة من ترسبات, لم تتوانى المرأة العراقية في ابراز دورها الذي تجسد في مشاركتها الشباب العراقي في المسيرات والتظاهرات التي يشهدها العراق هذه الفترة.

تحية للمرأة العراقية في عيدها, وسوف يأتي اليوم القريب الذي تحقق فيه أمانيها وفرحها المؤجل.

راهبة الخميسي
كاتبة عراقية – السويد
موقع الناس  7 مارس 2011