المنشور

نحن أيضاً نتغير


أكثر من 40 في المئة من سكان أقطار الخليج هم دون الخامسة عشرة من العمر، ينشؤون في ظروف مختلفة، بحيث لم يحدث أن رأينا هذا التضاد العميق في المؤثرات الثقافية والنفسية على المجتمع، كما في انعكاسها الحاد على هذا الجيل، خاصة إذا ما لاحظنا أن أوساطاً كثيرة منه تتلقى خبراتها وتعليمها خارج الموروث والثقافة التقليدية .
 
والأبلغ من ذلك، أن هذا الجيل لا ينشأ ويتشكّل وسط مجتمعات مستقرة في بيئتها السكانية على الأقل، إذا ما تذكرنا دائماً النسبة الأكبر من العمالة الأجنبية في مجتمعات الخليج، والاعتماد الذي يكاد يكون كلياً عليها في عملية التنمية، وهو أمر نجم وينجم عنه زيادة مطّردة في التركيبات السكانية لبلدان هذه المنطقة، وتنازعها لمتغيرات نفسية واجتماعية مستمرة .
 
وهي حقيقة أنشأت مع الوقت سيكولوجيا مجتمعية ترفض العمل اليدوي، أو تنظر إليه باستخفاف ودونية، بحيث إنه إذا فكرت الدول في مشروعات لتدفع بأبنائها إلى المشاركة الفعالة في الاقتصاد، فإنه يتعين عليها تغيير المفاهيم السائدة تجاه هذا العمل .
 
بعض من درسوا سمات تكوّن فئة وسطى جديدة في الخليج، لاحظوا أن هذا هو التغيير الأجدر بالعناية في بلدان المنطقة، وهو أمر يمكن الموافقة عليه خاصة إذا ما لاحظنا أن تعميم التعليم والتعليم الجامعي، وتوفير فرص التوظيف للخريجين، قد وسعا قاعدة فئات هذه الفئة التي وإن بدت على شيء من التناقض أو التنافر في ميولها، إلا أنها ستظل تمثل قاعدة التحديث وسنده .
 
تتنازع الجيل الجديد أفكار شتى تراوح بين التزمت والانغلاق، وبين الانفتاح، لكن مع ملاحظة أن انفتاح هذه المجتمعات على العالم بسبب طبيعة اقتصادها القائم أساساً على سلعة النفط، وامتلاكها سوقاً استهلاكياً واسعاً، والأثر الذي يلعبه انتشار وسائل الاتصال الحديثة فيها، إضافة إلى تبلور فئات من الأنتلجنسيا الثقافية والكوادر الإدارية والتقنية التي تحتل مواقع مرموقة في السلم الوظيفي والإداري للدولة والقطاعين العام والخاص، تخلق قاعدة موضوعية لفكرة التحديث .
 
وبعيداً عن التوصيفات أعلاه، فإن التغيير من حيث هو حاجة إلى تطوير الأداء الاجتماعي وإزاحة السلبيات التي تراكمت عبر سنوات ما بعد استقلال بلدان الخليج والتطورات العاصفة التي أحاطت بها، أمر لا بد منه حتى لا نصحو مرة أو مرات على تطورات لم نُعِدّ لها العُدة، أو نتوقع حدوثها، فالعالم من حولنا يتغير، ونحن كذلك .