المنشور

بحريننا أمام تحـدّي «إعادة الثقة»


من الواضح أن الأزمة السياسية الحادة التي تمر بها البحرين حالياً ليست نتيجة أمر طارئ، وليست لها علاقة بدولة أجنبية، وإنما هي عبارة عن انفجار لتراكم أخطاء على مدى سنوات طويلة.
 
هذه الأخطاء تُركت من دون علاج، وبدأت التشققات تحت السطح، وفي كثير من الأحيان قدمت الجهات الرسمية تفسيراً غير صحيح لما كان يحدث، وازدادت الأمور تعقيداً مع ارتدادات في العملية السياسية تُركت من دون معالجة، وأدّت في نهاية الأمر إلى اهتزاز «علاقة الثقة» بين مكون رئيسي للمجتمع البحريني والسلطة.
 
ولكي لا نقع في الخطأ ذاته، فإن علينا أن ندقق أكثر في طبيعة الأزمة الحالية… أذكر هذا الأمر لأن هناك من يحاول تصوير الأزمة وكأنها مشكلة بين الشيعة والسنة، وهذا التصوير الخاطئ إنما يساهم في تعقيد الوضع أكثر وفي تبديد الجهود التي نحتاجها لمعالجة الأزمة.
 
إن أحد جذور ومسببات الأزمة هو – كما قلت – اهتزاز علاقة الثقة بين مكون رئيسي للمجتمع والسلطة، ولكي تنجح أي مبادرة لإصلاح الشأن فإن من المهم تشخيص السبب وعلاجه، وفي الوقت ذاته يمكن إشراك جميع الفئات في حوارات متوازية مآلها أن تنطلق في أيِّ وقت. ولكن، فيما لو لم تعالج مشكلة «الثقة» فإن أية حلول ستنتهي إلى لا شيء.
 
إن أزمة الثقة تفاقمت بشكل جلي بعد الكشف عن التقرير المثير في العام 2006، ومن ثم ازدادت حدتها بسبب الحملات الإعلامية التي شنتها جهات رسمية وجهات نافذة داخل الدولة، عبر الإذاعة والتلفزيون والصحافة والخطب، ضد أحد مكونات المجتمع… بل ولقد تحوّلت تلك الحملات إلى ما يشبه «الايديولوجية الرسمية» للدولة، والمصيبة أنها تتمحور حول موضوع واحد غير صحيح وغير واقعي، وهو اتهام مكون أساسي وأصيل من المجتمع في هويته وتاريخه وانتمائه، وتلفيق الأكاذيب، ومن ثم تحويلها إلى تهم رسمية تنشر في الصحف والإعلام الرسمي.
 
لقد تحول الأمر على مر السنوات إلى مسلسلات درامية تتحدث عن مخططات ومعسكرات، ومن كان يطلع على الإعلام الرسمي يتصور أن البحرين شهدت محاولة انقلابية كل سنة أو سنتين… فحتى مؤتمر سنوي لجمعية مسجلة رسمياً (مؤتمر جمعية الوفاق في فبراير/ شباط 2010) اتخذته جهات نافذة في الدولة منطلقاً لشن حملة إعلامية ممنهجة دامت عدة شهور، وقامت تلك الجهات بنشر القصص الوهمية واعتبرت خرافاتها «دليلاً قاطعاً» على محاولة تلك الفئة المجتمعية للانقلاب «مجدداً» على السلطة.
 
ومن ثم جاءت الحملة الأمنية في 13 أغسطس/ آب 2010 لتعيد البحرين إلى عهد أمن الدولة، ومن دون سابق إنذار، وقام الإعلام الرسمي (بقيادة وكالة أنباء البحرين وتلفزيون البحرين) بشن حملة إعلامية يمكن الرجوع إليها لمعرفة المصيبة التي أحدثتها في رمضان المبارك. بل وتم تصوير ما حدث وكأنه الانتصار الأكبر ضد عدو دائم وأبدي… وهذا يمكن قراءته من خلال التقارير والأعمدة، وحتى شريط الرسائل النصية على تلفزيون البحرين الذي بث تعليقاً في إحدى الليالي لم يتوقعه أحد أبداً. وعلى الرغم من الاعتذار من قبل بعض المسئولين لاحقاً وإلقاء اللوم على خلل فني يتعلق بـ «الفلتر» الذي لم يحذف الشتم الموجه ضد طائفة بأكملها وإطلاق نعت عليها لم ينطلق أبداً في أي وسيلة إعلامية بحرينية من قبل، إلا أن الضرر قد حدث، والرسالة وصلت كالسهم المسموم الذي انغرس في قلوب من تم شتمهم.
 
لقد لعب الإعلام الرسمي والإعلام الموجّه من قبل جهات نافذة في الدولة (ولازال) دوراً رئيسياً في زعزعة الثقة بين السلطة ومكون رئيسي وأصيل من المجتمع البحريني… وزاد الطين بلة، أن تلك الحملات تحولت إلى سياسات وإجراءات ضمنية وعلنية تمارس بشكل مفضوح وفي وضح النهار وتحت أشعة الشمس.
 
كل هذا – أيها الأعزاء – أدى إلى تراكم الاحتقانات التي كانت تنتظر أي فرصة لتظهر على السطح، وهو ما حدث منذ 14 فبراير 2011، وذلك بعد أن استلهمت مجموعات شبابية التجربة المصرية، وانطلقت من منابر الكترونية جديدة لم تستطع ترسانة القوانين والإجراءات المقيدة لحرية التعبير أن تمنعها من نشر دعوة على الانترنت للتجمهر والاحتجاج في مكان مركزي في قلب العاصمة (دوار اللؤلؤة).
 
ولعل المفاجأة بالنسبة إلى السلطة أنها كانت مستعدة لأشخاص يحرقون إطارات ويرمون المولوتوف، ولكن هذا لم يحدث، ولم تلتفت السلطة إلى التغيير المفاجئ والسريع في منهج الحركة الاحتجاجية التي نفذها شباب الفيسبوك عبر أساليب سلمية، رافعين العلم البحريني، وفاتحين صدورهم للرصاص، ومستلهمين كل ذلك من تجربتي تونس ومصر… وعبر هذا الأسلوب سقط الخيار الأمني – العسكري في التعامل مع المحتجين الذين أفرغ لهم الميدان لكي لا تهرق المزيد من الدماء في وقت تسلطت فيه أضواء الإعلام العالمي، وانهالت الإدانات العالمية من كل جانب.
 
وفي الحقيقة، فإنني كنت أتوقع من تلفزيون البحرين مثلاً الالتفات إلى الخطأ الفادح الذي ارتكبه على مر السنين في بث الشكوك والظنون والانحياز ضد مكون من مكونات المجتمع وأن يتوقف عن الاستمرار في ذلك، ولكن ما أراه هو أن النهج الخاطئ الذي فجّر لنا الأوضاع بشكل مؤسف لم يتغير، والإعلام الرسمي يُعقّد الوضع أكثر، ما لم تنتبه هذه االجهات إلى أن الزمان قد تغير، وأن شباب اليوم لديهم وسائلهم التي تتجاوز ما لديها من وسائل.
 
إنني إذ أتوجه بكلامي هذا إلى جميع الجهات الرسمية والدوائر النافذة التي خدعت نفسها وشوهت عملية اتخاذ القرار لدى القيادة السياسية، وأطالبها بأن تلتفت إلى ما تقوم به، وأن تساند سمو ولي العهد في جهوده، وألا تفسد عليه ما يود القيام به، وأن تتوقف عن ممارسة الهرج والمرج الذي لم ولن ينفعها في شيء.
 
إذا كنا نود أن نكون جزءاً من الحل، فإن علينا أولاً تعريف المشكلة بشكل صحيح، وأكرر أن تعريف المشكلة ليس له علاقة بخلاف بين سنة وشيعة، ومن يقول ذلك إنما يُعمِّق الجراح ويسد الآفاق أمام الحل. إن المشكلة تكمن في أولئك الذين شقوا المجتمع، ومارسوا سياسة ممنهجة لبث الشك، وهزوا الثقة بين مكون رئيسي في المجتمع وبين السلطة.
 
إن التحدّي الأكبر حالياً يكمن في إعادة جسور الثقة، وهذا يتطلب منا انتهاج مقاربة مختلفة عن ما عهدناه حتى الآن، وهذه المقاربة لا بد وأن تكون متعددة السبل والمراحل لكي نخلق بيئة يمكن من خلالها التفاوض والحوار بحسن نية.
 
إن بناء الثقة هو الذي سيحقق لنا الاستقرار، وهذا يحتاج إلى إجراءات حاسمة لتخفيف حدة التوتر، ونحتاج في الوقت ذاته إلى حوارات متعددة الأطراف تنطلق على أساس النوايا الحسنة والاعتراف بالآخر، من دون اتهامات باطلة أوصلتنا إلى ما نحن فيه حالياً.
 
إن البحرين لأهلها جميعاً من دون فرق بين أي مكون وآخر، وأهل البحرين من كل الفئات والاتجاهات هم معدن الطيب والأصل، وعلى هذا الأساس يجب أن نعيد صوغ العملية السياسية ونرفع رأس البحرين عالياً في الآفاق… وذلك ليس بالمستحيل مع التعاضد والتناصر من أجل خير يعم الجميع من دون غالب ومغلوب، فالمنتصر هو الوطن، وجميعنا فداء لبحريننا الغالية.
 

صحيفة الوسط – 03 مارس 2011م