المنشور

هل الديمقراطية عصية علينا؟

العنوان أعلاه مستوحى من عنوان كتاب الدكتور باقر النجار الموسوم: “الديمقراطية العصية”، وفيه يحلل الباحث معوقات البناء الديمقراطي في المنطقة، ربما ليخلص أن الديمقراطية، بالمعنى الذي يعرفه العالم لها، ما زالت عصية على مجتمعاتنا.
ونحن اليوم شهود على انتفاضات شعبية جبارة، يكاد يكون هناك اجماع على أن هدفها ليس فقط المطالبة بلقمة العيش فحسب، وانما المطالبة بالديمقراطية والمشاركة الشعبية، يصح إعادة طرح السؤال: هل الديمقراطية عصية علينا؟
القراءة الحصيفة للدائر اليوم تشير الى أن الشعوب العربية ناضجة للممارسة الديمقراطية، وانها أثبتت أهليتها لذلك أكثر مما أثبتت بعض الحكومات التي فرضت وصايتها على الناس، كأنهم لم يبلغوا سن الرشد بعد.
ديمقراطية الشعوب تبرز في الطريقة التي أدار بها المشاركون في الانتفاضات انتفاضاتهم، إذ جسدوا سلوكاً راقياً متحضراً مسؤولاً، باعتمادهم العمل السلمي والمقاومة المدنية طريقاً لبلوغ أهدافهم، ورأينا كيف حمى الشبان المتظاهرون المتحف الوطني والمرافق العامة من اعتداءات الرعاع والبلطجية، وكيف قاموا بتنظيف الشوارع والميادين، وقدموا الطعام والأدوية للمعتصمين.
العنف أتى من بعض رجال الحكومات التي لم تتورع عن استئجار بلطجية ليضربوا الشبان العزل، ويدهسوهم بالخيول والجمال، ليسقط شهداء وجرحى، وفي هذا ظهر من هو الجاهز لممارسة الديمقراطية، ومن هو غير قادر على مغادرة أساليبه القديمة.
لا يجب الاستمرار في ترويج الوهم بأن غياب أو هشاشة الديمقراطية في مجتمعاتنا يعود لأسباب ثقافية بحتة، تنطلق من الزعم أن شعوبنا لم تتدرب على الممارسة الديمقراطية، ولن تُحسن التصرف فيها، اذا ما أعطيت لها، فالتدريب على الديمقراطية لا ينشأ الا عبر ممارستها، والتعود على العمل وفق آلياتها.
من يحتاج الى التدريب على الممارسة الديمقراطية هي الحكومات وليس الشعوب، وتنشأ الآن فرصة مؤاتية في العالم العربي لتصحيح العلاقة بين الحكومات والشعوب، قد تكون الفرصة الأخيرة لتفادي الطريقتين التونسية والمصرية، إذا ما أحسن الماسكون بالقرار التصرف.
جيد أن تجري بعض الاستجابات للاحتياجات المعيشية للمواطنين، وجيد أن تتجدد حكومات هنا وهناك، ولكن إذا ظلَّ الأمر، دون المساس بالموُلد للفساد والبيروقراطية والقمع، فان الأمر لن يعدو كونه ترحيلاً للأزمات، لا حلها.
يجب ألا تمر هذه المرحلة التاريخية السانحة دون استثمارها من أجل اصلاح أحوال المجتمعات العربية اصلاحاً جدياً، وإزالة بواعث الاحتقانات الاجتماعية والسياسية، عبر بلوغ تسويات تاريخية، تعيد صوغ العلاقة بين الحكام وشعوب الدول النامية.
وهذه ليست مهمة مستحيلة، ولكنها تتطلب شجاعة القدرة على تقديم تنازلات مهمة من قبل الحكومات المعنية.

صحيفة الايام
9 فبراير 2011