المنشور

أوان الانتفاضات


الانتفاضات والهبّات الشعبية الكبرى لا تحدث كل يوم، ولا كل شهر، ولا كل سنة، ولا حتى كل عشر سنوات أو عشرين . لذا لا يمكن تفجير الثورات والانتفاضات بالإرادة الفردية لدعاتها . لا يوجد زر سحري نكبس عليه فتخرج الجماهير الغاضبة الى الشوارع، ولا توجد وصفة سرية تحمل الناس على الانطلاق بصدور عارية في وجه رصاص قوات الأمن أو الجيش .
 
لذا علينا ألا نندهش كثيراً، أو حتى قليلاً، حين نجد أن جل التحركات التي تعصف بالشوارع في المدن العربية هذه الأيام تأتي بإرادة عفوية للناس، فبدت الأحزاب والقوى السياسية المعارضة متخلفة عن حركة الشارع الذي كان عليها أن تلهث لتلحق به نحو المدى الذي بلغه، من دون أن ترضى بالجزئي من التنازلات، طالبة بأن تبلغ الأمور مقاصدها الكبرى .
 
للانتفاضات شروطها وظروفها، حين يعتمل مرجل الغضب في أعماق نفوس الناس المقهورة التي لا يعود بوسعها أن تواصل العيش على المنوال الذي عاشته طويلاً، وحين لا يعود بوسع الحاكمين أن يديروا آلة القمع بالطريقة التي ألفوها، ويجدون أنفسهم مرتبكين وحتى عاجزين أمام إرادة الكتل الشعبية الضخمة الناقمة وهي تهدر في الشوارع، فليس لديها ما تخسره سوى قيودها وتربح من وراء ذلك عالماً بأسره .
 
من هنا، ومن هنا بالذات، يجب عدم التفريط في الانتفاضات حين يحين أوانها، ما إن يسقط حاجز الخوف ويخرج الناس غير آبهين بالتضحيات التي يمكن أن يقدموها في سبيل كرامتهم وحقهم في العيش الحر على أوطانهم المختطفة من مافيات الفساد ولصوصية المال العام، فإنه يجب الذهاب بالانتفاضات الى نهاياتها القصوى، المظفرة، بنيل ما حلم الناس بتحقيقه طويلاً، وطال بهم الانتظار، حتى أوشكوا أن يفقدوا الأمل .
 
لكنهم لم يفقدوه، لا يمكن أن يفقدوه، فما من إرادة تظل حية مثل الإرادة الحرة للناس في صنع التغيير، وحين تستحوذ أفكار العدالة على أذهان الجماهير فإنها تتحول إلى قوة مادية جبارة قادرة على إحداث المنعطفات الكبرى في التاريخ .
 
عالمنا العربي اليوم، المأخوذ بالياسمين التونسي، وفي أكثر من مفصل من مفاصله هو أمام منعطف تغييرات كبرى حاسمة نضجت ظروفها منذ أمد، فالإرادة الحرة للناس الذين يشعرون للمرة الأولى منذ عقود بأنهم امتلكوا الساحات والميادين العامة في عديد العواصم والمدن، زرعت في النفوس بذور الأمل في مستقبل أفضل تستحقه أوطاننا وشعوبنا، وهم على بلوغه قادرون . 



 
حرر في 29 يناير 2011