المنشور

إلى أين قادتهم ولاية الفقيه؟

دُفعَ الجمهور الريفي البسيط المحروم الشيعي إلى واجهة السياسة والمسرح بعد عذاب طويل واستغلال بشع، وخدعوه بأن نصره وشيك من خلال شعار ولاية الفقيه الذي لم يجر فيه سوى تقوية الملالي المستغلين وقوى الحكم البيروقراطي العسكري المغامر بمصائر المسلمين وتفتيت صفوف العرب خدمة للشرطة السرية السورية والإيرانية.
وهذه الولاية بعد أن ملكت الدنيا وزخرفَها الامبراطوري حركتْ الأنواءَ الطائفية والدينية، وأخفقت في ثورتها المزعومة، وصارت سياطاً على ظهور الكادحين، مهددةً شعوب المنطقة بالحرائق والأهوال.
لكن هذا لا يضير الشيعة فهم أهل الاحتمال على مر القرون، وكم خُدعتْ القوى المذهبية والسياسية السنية والأفكار الليبرالية والشيوعية الأخرى، لكن هذا يضير الجماعات السياسية القائدة في الطائفة الشيعية والجماعات السياسية التي ناصرتها في الجماعات الأخرى عبر انخداعها بشعارات الملالي المحدودة وبعدم تبصرها، ومحدودية رؤاها.
إن شعار ولاية الفقيه عارض نضال الشيعة وصبرهم واتساع صدورهم، ولجوءهم للنضال المسالم، وجعلهم بعد هذا الصبر الهائل في مقدمة المسرح العاطفي الحاد يعرضون أنفسهم لأفدح الأخطار والأهم إنهم يمزقون الأمة العربية في حراكها الكبير الراهن!
أين مقدمة صدورهم الآن؟
أفي جبال اليمن يُحصدون؟
أو يجابهون إخوتهم في العراق؟
أو يخدمون تنظيمات معينة في لبنان وسوريا؟
أو عند حزب الله الذي يعارض كل قوى التحررية اللبنانية والحداثة ويدافع عن سيطرة البوليس السوري الذابح لمفكريهم ومناضليهم والذي يريد أن يكون مهيمنا على حياتهم ومصائرهم؟ فأي إرث فاشي يريد أن يحوز؟
أم في السلطة الإيرانية الدكتاتورية الدموية التي تقهر الشعب الإيراني وتستغل عيشه؟!
ليس الآخرون بأفضل من ذلك، وليست المذاهب الأخرى والدول الأخرى بأجمل من هذه البشاعة.
ولكن هم لم يتنطعوا للقول بأنهم طريق العدالة الشاملة الآلهية النازلة عليه بالمن والسلوى.
ونحن نناضل ضدهم في انزياحهم للدكتاتورية والعنف سواءً بسواء، لكن جماعة ولاية الفقيه أشعلوها فتنة خطرة راهنة.
وكان آيات الله العظمى الكبار في الطائفة الشيعية لم يدعوا إلى ذلك، وعرفوا مقام العقل الديني المحدود المتطور على مر العقود، وكان معاصرنا فيهم السيد السيستاني قد ازدان العقل الحكيم فيه، الذي ليس بين يده آية سحرية يقول لها كن فتكون، بل الأمور تعود لتطور طويل، وصراعات جمة كبيرة، واجتهادات كثيفة، لا يكون الدين فيها مباشرا، بل مراجعاً متأنيا حصيفا، وليس مراهقا مدعيا نافشا ريشه، بل يسري أحكامه بحكمة.
أي مذهب أو فكرة دينية أو علمانية أو قومية تضع نفسها تحت سيطرة الدول وقوى العسكر المغرور فمآلها الخسران.
لا ولاية إلا للعقل المجتهد الحصيف العادل بين الناس. أي لقوى الفكر والوعي بين الناس المعبرة عن الأغلبية فيهم لا يفرض نفسه إلا من خلال قراراتهم.

صحيفة الايام
3 فبراير 2011