المنشور

تغيير.. كرامة.. عدالة اجتماعية!


حتى موعد نشر هذا المقال من الصعب أن نتنبأ بما يمكن أن تؤول إليه أحداث الانتفاضة الشعبية في مصر، بالرغم من أن مجريات الأحداث أثبتت أن مصر المحروسة مقبلة على مرحلة جدا هامة من تاريخها السياسي على الرغم من النتائج وحتى الإعاقات المنتظرة، وعلى الرغم مما أبداه النظام هناك من تشبث حتى اللحظة الأخيرة، وما مثله ذلك الموقف من مخاطر وخيمة ظهرت على أكثر من صعيد، فالانتفاضة الشعبية التي استلهمت الكثير من نجاحات وأساليب انتفاضة الياسمين التي ألهبت بدورها مشاعر الشعب التونسي وأعادت للتونسيين آمالهم المصادرة في الخبز والكرامة والديمقراطية، هذه الانتفاضة رفعت منذ البدء شعارات نأت بنفسها عن اي مظهر من مظاهر الاستلاب والاختطاف التي كثيرا ما تعودنا عليها في تحركات شارعنا العربي على مدى عقود طويلة، فعفوية الجماهير كانت حتى اللحظة عصية على المصادرة فكانت شعارات مثل الخبز والكرامة والعدالة الاجتماعية ورفض الاستبداد والفساد والتوريث تتطابق مع مثيلاتها في تونس، لتحذو حذوها جماهير غاضبة في أكثر من مدينة وبلد عربي خلال فترة زمنية لا تتجاوز الشهر. وطبيعي ان تتفاوت حدة وحجم تلك الهبّات الجماهيرية لكنها في النهاية تأتي تعبيرا عن حالة التردي العام التي طالت واقعنا السياسي والاجتماعي العربي.

مع هكذا وضع ثمة من يطرح أمورا في غاية الأهمية لا شك انها تحتاج الى تمعن ومتابعة، فسرعة التحولات علاوة على طبيعة ما أصبح يتردد بقوة في أوساط الجماهير في عالمنا العربي ومسبباته ومن يقف ربما خلفه، وهل الخبز والكرامة والاستبداد هي عوامل تحفيز وحيدة، ام هي تقسيم جديد لموازين القوى في منطقتنا، وقد مثلت سلسلة من التداعيات التي لابد ان يكون لها من رابط وعوامل مشتركة، وهو أمر لا يمكن استثناءه خاصة ونحن الذين تعلمنا ان نكون خارج تلك الحسابات الدولية والإقليمية على الدوام.

وبعيدا عن كل ما تقدم يمكننا القول بوضوح ان ما جرى في كل من تونس ومصر وفي شوارع اليمن وعمّان والجزائر، له من الدلالات والنتائج ما يشي بأن منطقتنا العربية باتت مرشحة لمعايشة مرحلة جديدة في ملامحها وتوجهاتها خلال الفترة القادمة، وما جرى هناك ربما يقدم دروسا وعبرا للكثيرين والعبرة في من اعتبر كما يقال، وحركة التاريخ وتحولات الشارع العربي والمزاج العام خلال العقود الأخيرة وإن بدت بطيئة وباعثة على السأم أحيانا كثيرة لكنها حتما تختزن الكثير والكثير للمستقبل، ومن الخطأ محاولة حصر المسألة برمتها فقط في العامل المعيشي او الاقتصادي فالتجربة في جميع بلداننا العربية أثبتت ان الناس لا يحيون بالخبز وحده، وان مقومات البناء والتنمية ليست مجرد شعارات وتجميل مستمر لواقع بائس بل هي عمل حقيقي باتجاه خلق فهم موضوعي وشراكة حقيقية مع الناس وممثليهم من احزاب ومؤسسات مجتمع مدني قبل فوات الأوان، كما ان التعويل على خلق مجتمعات منقسمة على بعضها حتى يسهل ضربها لم يعد أسلوبا حصيفا وناجعا، وقد فضحت الأساليب النضالية حتى في ابسط وجوهها عفوية هشاشة الكثير من الأنظمة والسياسات، وباتت مواقع «الفيس بوك» و«تويتر» في كل من تونس والقاهرة علامات فارقة تجاوزت بفعلها حتى قدرة الكثير من الأحزاب والقادة على تأطير وقيادة الشارع والجماهير، مما استدعى تجاوبا خجولا للعديد من أنظمتنا السياسية لإبداء وجوه من التجاوب المؤقت تحسبا لأية انعكاسات محتملة، فقد بادرت بعض الأنظمة برصد ميزانيات ضخمة لتحسين اوضاع مواطنيها المعيشية والإسكانية، كما كثر الحديث خلال الفترة القليلة الماضية عن توجهات لمحاربة الفقر والفساد والرشوة، فيما اهتدى البعض لتشديد الرقابة على الانترنت وشركات الاتصالات.

ما تحتاجه مجتمعاتنا لا يجب أبدا ان يكون عصياً على تجاوب الأنظمة والحكومات، ولا يجب بأي حال ان يكون عامل توجس وخوف دائم من قبلها، حاجتنا كشعوب تكمن في شعار اختزلته إحدى المسيرات التي طافت شوارع بعض المدن الملتهبة منذ اليوم الأول للانتفاضة وهو شعار لا يمكن أن يفهم بأنه مؤدلج او مسيس…  ” تغيير…كرامة…عدالة اجتماعية “.