المنشور

العربُ ولحظة جديدة في التاريخ

تخلف العربُ كثيراً عن اللحاق بركبِ التاريخ العالمي، وهذا بسبب انهم قبائل بدوية انساحتْ في عروق الأرض وتغلغلتْ في تضاريس الشعوب القديمة، والأديان السابقة، ولم يكن لها تراث غزير متجذر، وهوية صلبة سوى الإسلام واللغة والثقافة. وإذا كان الأولُ مفتوحاً لكل الأمم فإن الثاني والثالث مقصوران على العرب.
تشتتُ العربِ في التاريخ والجغرافيا لم يجعلهم قادرين على اللحاق بتدافع الأمم الحديثة على صدارة المسرح العالمي، التي تتطلبُ مركزيةً في التاريخ والجغرافيا، والتي تتحول إلى سوقٍ جبارة متحدة، وقوى عاملة بشرية متطورة متعاونة، فالعرب يعيشون في تفكك على مستوى الأنظمة، والأنظمةُ نفسُها مفككة في بُنى إنتاجها، لكن الضغط المتواصل للعولمة وتشكل سوق عالمية كبرى متداخلة بحدة، يجبرُ الأممَ على التوحد، وقد سارعت أممٌ عديدة إلى تفكيك أشكالها السياسية الفضفاضة القديمة، ومركزة أسلوب إنتاجها، وفجرت ثورات اقتصادية داخلها.
الكثيرون لا يعرفون العاصفة الاقتصادية السياسية التي تهدر، وعجزُ العربِ عن استيعابِ الثورة الاقتصادية التقنية السياسية الديمقراطية، يصيرُ لهم مثل الكوارث القدرية وحروب داحس والغبراء، ويظهر لنا أناس يتكلمون عن الانفجارات الاجتماعية بأسباب واهية كثيرة فهم لا يعرفون التاريخ المعاصر وأسبابه الغائرة.
إن كل أشكال الهدر الاقتصادية مثل الفساد والبذخ تتحول إلى كوارث على الشعوب العربية، لأنها بحاجة إلى كل قيمة نقدية من أجل تفجير الثورة الاقتصادية التقنية العلمية التي هي بأمس الحاجة إليها، وهذا الهدر يحس به العمالُ لأنهم لا يرون ما ينتجونه يتوجه لتغيير حياة المنتجين والإنتاج، وهما أساس توحيد العرب ونقلهم للحداثة.
وتداخلت أخطار العولمة وتحدياتها مع فشل التجمعات السياسية الفوقية العربية، وعدم إنجازها المقاربة بين الشعوب العربية وتطوير أوضاعها وتوحيد أسواقها ومواقفها، فأحستْ أمةٌ كاملة بالهوان والضياع، في عصر الأمم الكبرى، ولا عجب أن تقوم شعوبٌ صغيرةٌ بالثورة والتوحد والنضال من أجل أوضاع عمالها وجمهورها الفقير، في وقت توجهت فيه القوى الفوقية للاهتمام بمصالحها المغرقة في الذاتية.
من دون نضال العمال من أجل تطور أوضاعهم، أي تطور مصانعهم ومعرفتهم وإنتاجهم وأسرهم وطبقاتهم ووطنهم، لا يكون ثمة صعود للعرب على مسرح التاريخ المعاصر، الذي هو تاريخ الإنتاج والآلات والأسواق الكبيرة المشتركة وصعود العيش المشترك الأفضل.
كذلك لا يمكن لهذا الصعود أن يتم من دون تطور الملكيات الصناعية الخاصة كفرع محوري للاقتصاد وديمقراطية الرأسماليات الحكومية ومن دون تغلغل ثروة المعرفة الحديثة في الجماعات والأفراد وتنامي الصلات الاقتصادية المتطورة بين الدول العربية.
إن العربَ يشكلون صلات تشبه الصلات التي كونتها الشعوب الأوروبية في بدء عصر الثورة الصناعية وتشكل الأمم الأوروبية وسيادة الحداثة، من حيث تأسيس القواعد الديمقراطية والصناعية، وتوحد كل شعب وتلاقي الصلات القومية بين أمة مفككة تصعد لتكون قارة إنتاجية.
ولهذا فإن نضالات الجماهير العربية الآن من أجلِ أجورِها وأوضاعها وتطور بلدانها الديمقراطي ليست موضةً، أو عمليات فوضوية، بل هي الوحدة القاعدية والتغيير من أسفل، والتوحيد على أسس شعبية عقلانية.
هي عملياتٌ موضوعيةٌ لا تصدر عن قرارات وحرائق في البناء والأجساد، بل هي حاجات تتشكل في أعماق الشعوب، وظروفها، ولا تصدرُ عن لجنة مركزية أو عن قائد فذ، وهي للتخلص من طفيليات معرقلة لتلك الأهداف.
الغربُ المحافظُ المهيمن وليس الغرب الديمقراطي العمالي، لا يريدُ للأمةِ العربية التوحدَ، وأن تتصاعدَ قوى قواعدها لتطوير رأسماليات منتجة ديمقراطية تبني أمةً كبيرةً ذات أسواق هائلة وقوى إنتاجية عظيمة، فتنضمُ للأممِ الروسيةِ واليابانية والصينية والهندية والجنوب شرق آسيوية، التي شكلت قواها المتحدة، وحينئذٍ يتواصل تقلص أسواق الغرب، وتزداد الضربات للأمة العربية لأنها تملك موارد نفطية كبيرة، فتُضربُ من الصهيونية ومن بعض القوى التي يُفترض انها إسلامية وعربية.
لكن العديد من مراكز الأمة العربية مازالت راقدة، لم تتشكل فيها السببيات التي تشكلت في تونس من حيث عدم الهيمنة الكلية للإدارة الحكومية الاقتصادية السياسية، ووجود قوى عمالية وبورجوازية خاصة حرة واسعة، وثقافة علمانية إسلامية ديمقراطية، لكن ذلك يحدث وبصور مختلفة والمخاطر التي تعوق ذلك هي الفوضوية والمغالاة الدينية والحداثية والعنفية.


صحيفة اخبار الخليج
26 يناير 2011