المنشور

الثورة التونسيّة

نم قرير العين يا أبا القاسم، فشعب تونس أزاح “إذا” وأراد الحياة، وأرغم القدر. وكسر حاجز الصمت والخوف ودقّ باب الحرية بيد مضرجة. فرحل الطاغية.
 تونس حررت نفسها ورفعت صورة تشي غيفارا، فالثورة لم تعد تختبئ في غابات بوليفيا، بل أصبحت تتقدم بالصدور العارية المشرّعة للرصاص.

 من سيدي بو زيد والقصرين وصفاقس وبنزرت وتونس العاصمة ونابل إلى قابس في أقصى الجنوب. سمعنا صوتا واحدا، لطرد الجنرال، الذي لقال له بورقيبه يوم كان قائدا للأمن: “إسكت يا بهيم يا بتاع البوليس”  لكن البهيم خلعه وامتطى السلطة، بعدما جرى طبخه في أقبية المخابرات الأمريكية، يوم كان سفيرا في وارشو.

 في سيدي بوزيد أشعل محمد بوعزيزي بجسده ثورة الخبز والحرية كأول ثورة مدنية حقيقية في عالمنا العربي..

لأول مرة رأينا حشودا تُلخص الثورة الفرنسية (حرية عدالة مساواة) .  هذه المرة لم نر صورا ملتحية ترفع شعار”القرآن والسيف” لإقامة الخلافة، ولم نر كهنة يرفعون صلبانا للمطالبة بترميم كنيسة، أو إعادة وفاء قسطنطين لبيت الطاعة، ولم نر صورالصدر الصغير وأكفان القرون الوسطى، وركضة طويريج
 ما رأيناه كان ثورة

في معادلتك الشعرية الفذّة يا أبا القاسم، وضعت الشعبً والقدر وجها لوجه، فكسبت الرهان لأنك تدري بأن تونس “شعب” تجمعه االأرض والتاريخ، ويوحده حلم العيش الكريم ومدوّنة الأحوال الشخصية والمدنية، التي جعلت المرأة صنوا للرجل، فانتصبت محمولة على أعناق الرجال، ورجمت مليشيات الطاغية، وضمّدت الجرحى.

 أما في مشرقنا فواحسرتاه! لقد كنّا شعبا في يوم ما، أما اليوم فنحلم على أريكة الديوان الشرقي، لقد أصبحنا بعون الله والبترودولار والطغاة، قبائل وشيعا ومللا ومذاهب وحثالات، وفقهاء نبحث عن العصر الباليوليتي وعصماء بنت مروان لنهرب من واقعنا، فما أوسخنا (على رأي مظفر النواب)
 
 في تونس بدأت ثورة مسلحة بالمدنية والبنطلون والأمل، فالدشاديش والجلابيب وأكياس النقاب عقبة نتعثر بها أثناء المشي، ولا تصلح للكر والفر.
 
تحية كبرى لدماء الضحايا الزكية، ولشباب تونس وللأمهات اللّواتي حملنهم وأرضعنهم  

  
 
عن الآوان    الاثنين 17 كانون الثاني (يناير) 2011