المنشور

ساخن كالرغيف صادق كالصدق


لماذا يظل ناجي العلي قادراً على إدهاشنا في كل مرة نرى فيها رسوماته، كأنها رسمت للتو، كأنها خارجة للتو من شارع من شوارع مدن الضفة الغربية أو زقاق من أزقة غزة، أو من مخيم فلسطيني في لبنان أو الأردن أو سوريا، بل كأنها خارجة للتو من الأتون العربي الحارق في كل مكان .
 
ما الذي يجعل حنظلة ناجي العلي حياً هكذا؟ بل ما الذي يجعله حياً أكثر من السابق؟
 
لعل ذلك هو شأن الفن الخالد الذي يزداد ألقاً مع الزمن، ولكن ثمة عاملاً آخر هو أن الظروف التي وضع فيها ناجي رسوماته مازالت حاضرة، ربما بقوة أكبر مما كانت عليه .
 
وكما لدى فنان حقيقي فإن طاقة الاستشراف، ذلك الحدس المدهش، هي ما يجعل بصيرة الفنان قادرة على الذهاب إلى أبعد، إلى رؤية ذلك الزمن المقبل المدثر بالغموض، وبهذا المعنى يبدو حنظلة تلك الشخصية الآسرة المحيرة في رسومات ناجي شاهداً على الزمن .
 
والزمن المعني هنا هو الزمن في إطلاقه، لا الزمن المحصور بين فاصلتين أو بين تاريخين . ورغم أن حنظلة ناجي العلي لم يكبر، أعني أنه ظل دائماً طفلاً، لكنه يحيرنا دائماً في أن وقفته الساخرة، الشامتة والصامتة والمحتجة، تبدو أقرب إلى وقفة الرجل الراشد الذي عركته الحياة في تجاربها وخبراتها فبات أشبه بالحكيم الشاهد الذي يرى ما يرى ولكن بتلك الروح التي تجعله قادراً على أن يشع بذبذبات الفطنة والحكمة الآسرة .
 
من منهما يشبه الآخر: ناجي العلي يشبه حنظلة، أم حنظلة يشبه ناجي العلي؟ أين الأصل هنا؟ وأين الصورة؟ تلك هي المعادلة التي لا يمكن فكها أبداً . لقد تماهى أحدهما في الآخر بحيث لم يعد بوسعنا أن نتصور ناجي العلي من دون حنظلة، أو أن نتصور هذا الأخير في سياق آخر غير السياق الفني والشخصي لناجي العلي الذي عبر الحدود من فلسطين إلى لبنان طفلاً إبان النكبة الأولى .
 
لقد كان يومها شاهداً على ملحمة التيه الفلسطيني، وهي تفتح أبواباً في العراء . وإذ كبر ناجي ظل الطفل حاضراً، يقظاً، في صورة حنظلة الذي لا يموت، بدليل أننا في كل مرة نشاهد رسومات ناجي تنتابنا دهشة الاكتشاف الأول، دهشة فجاءة وصدمة السؤال .
 
رسومات ناجي العلي تظل ساخنةً كرغيف خبز، كاوية كجمرة، ومحرضة كالأمل، وصادقة كالصدق .