المنشور

تونس والسنة الدولية للشباب!


مفارقة لا مثيل لها. الحكومة التونسية المنهارة كانت قد اقترحت على الجمعية العامة للأمم المتحدة، في دورتها الرابعة والستين في 18/12/2009 إقامة سنة دولية للشباب، تحت شعار « سنتنا صوتنا». جرى قبول الاقتراح بالإجماع من قبل الجمعية العمومية للأمم المتحدة على ان تبدأ في آب / أغسطس 2010 وتنتهي في آب/ أغسطس 2011. وتقرر ان تتضمن السنة هذه مؤتمراً دولياً حول الشباب برعاية المنظمة الدولية يهتم بموضوع الحوار والتفاهم والتبادل. ويهدف قرار الجمعية العمومية هذا الى إشراك الشباب في كل أوجه النشاط المجتمعي ويدعو الى العمل على تحقيق شراكة مع الشباب ومنظماتهم والتعرف على احتياجاتهم وما يهتمون به من امور وما يمكن ان يقدموه الى شعوبهم.

ان الشباب وفقاً لمفهوم القرار الاممي هم الذين تتراوح اعمارهم بين 15 و25 سنة. وهم يشكلون اذا ما اعتمدنا هذا التحديد 18% من سكان العالم اليوم، اي ما يبلغ مليار ومئتي مليون نسمة. واذا ما اعتمدنا معياراً آخر، ولنقل ان الشباب من تتراوح اعمارهم بين الخمسة عشر سنة والثلاثين سنة لارتفعت نسبتهم الى حوالي ربع سكان العالم. ومن المعروف ان الغالبية العظمى منهم يعيشون في البلدان النامية.

ويقينا ان الحكومة التونسية بقيادة الرئيس السابق زين العابدين بن علي لم يدر في بالها ان السنة التي اقترحتها لتكون سنة دولية للشباب، سوف تفاجئها، وهي في منتصفها، بانتفاضة عارمة، تستمر ما يقارب الشهر وتؤدي الى هرب الرئيس، تفادياً لغضب الشعب. هذه الانتفاضة التي اشعل لهيبها شاب اكمل دراسته الجامعية ولم يجد عملاً يؤمن له لقمة العيش، واضطر الى التجوال بعربة يدفعها بيديه ليبيع بها الخضار. ومع ذلك لم يتخلص من جور النظام البوليسي وشرطته التي اعتدت عليه وحطمت عربته، مما دفعه الى إشعال النار بنفسه، فأشعل بذلك غضب أقرانه من الشباب الذين نزلوا الى الشوارع في بلدته، ليتعرضوا لعنف شرطة النظام الاستبدادي الفاسد ونيرانها التي اوقعت شهداء وجرحى. وكان من نتيجة ذلك ان امتد لهيب الانتفاضة الى المدن الأخرى بما فيها العاصمة التي تردد فيها الهتاف المدوي» اعتصام .. اعتصام حتى يسقط النظام «. وسقط رأس النظام. وبقي ان تواصل القوى الديمقراطية التي تعادي الاستبداد والفساد والدولة البوليسية، وحدتها ويقظتها لتمنع اقطاب النظام الذي سقط رئيسه من سرقة ثمرة النضال الشعبي الذي تعمـّد بدم الشباب، والإبقاء على النظام البوليسي بصيغة جديدة.

ان ما حصل في تونس فاجأ جميع المراقبين السياسيين الذين كانوا يتصورون ان النظام التونسي عصيُّ على التغيير بسبب قواه الامنية المتمرسة في قمع طموحات الشباب نحو الحياة الحرة الكريمة التي تؤمن لهم الحرية والعمل والخلاص من البطالة والفقر والتهميش وانتقاص الحقوق والتفاوت الكبير بين قلة الأغنياء واكثرية الفقراء.

ولاشك ان الانتفاضة التونسية الرائعة تشكل انذاراً جدياً لكل نظم الاستبداد والقهر في البلدان العربية والعالم اجمع. وتذكـّر من جديد بما قاله الشاعر التونسي الكبير ابو القاسم الشابي منذ النصف الاول من القرن الماضي:
إذا الشعب يوماً أراد الحياة / فلابد ان يستجيب القدر
/ ولابد لليل ان ينجلي / ولابد للقيد ان ينكسر.

واذا ما كان تحريض الشاعر منصباً على مكافحة جور المستعمر وقيوده، فإنه اليوم ينصب على جور الطغم الاستبدادية الفاسدة والحكام الذين يصرون على البقاء في الحكم على الضد من ارادة الشعوب. ولا بأس في هذا السياق من تحذير هؤلاء الحكام الفاسدين بقول شاعر آخر قال: من حـُلقت لحية جار له/ فليسكب الماء على لحيته. وليتأكدوا من ان الشعوب تـُمهل ولا تهمل. وعليهم ان يعرفوا ان وداعة الشعب ليست خنوعاً!
 
الأيام 19 يناير 2011