المنشور

تبهرنا الكلمات الكبيرة !!


لفت انتباهي ما تم «تدشينه» وتشييده كمعمار ثقافي احتجاجي جديد في جمعية التجديد الثقافية حول إشهار جماعة تحت اسم «تحالف مفكرين ضد التزوير» والمتأمل في كل أبعاد تلك العملية سيجد الجامع الشامل للمختلف المؤتلف، وسيقول بعدها سبحان الله، أولا سبحان الله للتسمية، إذ لم يتواضع أصحابها ويقبلوا بتسمية اسمهم مثقفين أو أي اسم ما، عدا «مفكرون» التي باتت اسطوانة مكررة ومفردة أساءوا استخدامها كثيرا فبات المفكرون في العالم العربي يفوقون العامة عددا وعدة، في وقت فيه المفكر في مجتمعات متحضرة لا يتم تسميته بتلك السهولة التي يتحمس الناس لترويجها بل ويتقبلها الآخرون من الناس لكونها تضيف لهم هالة مجتمعية إضافية مثلها مثل كثير من أنواع الوجاهة الاجتماعية كنوعية السيارات والفلل والأمكنة والأرصدة الأخرى .
 
قد لا نلوم بساطة الناس في حماسهم وقد نراها تنتفخ وتتضخم حتى يشعر أصحابها بعد التسميات إنهم فعلا صاروا مفكرين بين ليلة وضحاها، بل ولم يكتفوا بشهادات عليا والتي هي حصيلة علمية ومعرفية يتم اجتيازها بشكل متعارف عليه، وإن وجدنا لاحقا في السنوات الأخيرة دخلت على الخط كثرة الشهادات الفخرية الممنوحة مثلها مثل جوائز صارت توزع دون اعتبارات ومعايير سليمة ومحددة لا تفسدها الواسطة والعلاقات الخلفية التي تحدد الأسماء قبل لحظة إعلانها.
 
وبما أن التواضع أكثر جاذبية للناس، وبما إن مشروع التزوير التاريخي قضية مهمة كموضوع حديثنا – فان توسيع رقعة المحتجين والمنضوين تحت لواء هذه الجماعة من الضروري أن تكون واسعة النطاق بدلا من حصرها في مساحة « المفكرين !! إذ ليس الموضوع ورنته وجزالة صوته في هذا الجانب من البرستيج العالمي محليا وعربيا، إذ بالتسمية هذه وحدها يحيا هؤلاء على ضفاف الدعاية الاجتماعية والفكرية حقا.
 
حاولت تفحص الأسماء كمبادرين مشكورين، لكونهم صاروا هم من سيدقون نعش التزوير المحاط بالتاريخ، وإن كان البعض في نفسه حاجة يعقوب، فلكل شخص واتجاه مبتغاه في فهمه للمعنى الدقيق للتزوير والاعتراف بتحديد هذا التعريف، لكي لا يتم بعد ذلك ترحيله لقضايا أخرى وموضوعات معينة خارج نطاق المشروع المحدد. للقومي دوافعه وللديني دوافعه ولكل منهم منطلقاته، ولكن كل ما نخشاه هو انتفاخ هذا التجمع من مفكرين كثر وسدنة معبد أكثر من المفكرين أنفسهم تحت مظلة هكذا تجمع، إذ ما الذي سيبحث فيه المفكرون؟! البعد التاريخي للتعريفات الاثنية للشعوب في المنطقة في مراحل تاريخية عتيقة؟ الاختلاف مع حقيقة أن اليهود كتكوين إنساني واثني نبعوا من هذه المنطقة أو خارجها، فربما يذكروننا الأخوة بما قاله كمال الصليبي عن أن اليهود خرجوا من الجزيرة العربية حتى وصلوا إلى فلسطين السليبة، فأثارت تلك الأطروحة غبارا وتم الصمت عنها عمدا، فلا احد بإمكانه مسك إسرائيل بعدها بالادعاء عن مواطن كثر في جغرافية هذه المنطقة، وستصبح كل المساحات والأتربة والمعمار ملكية تاريخية لليهود! هل سيهتم الأخوة المفكرون بموضوع النصوص التوراتية التي تم تحريفها حسب ادعائهم أم سيهتمون بالحركة الصهيونية كنتاج فكري قومي تاريخي له محددات أخرى وظروف مغايرة دفعت لبروزها وتطورها حتى لحظة الإعلان عن تقسيم فلسطين! هل سيصبح المفكرون قوة جديدة إضافية للسائد في المنطقة على المستوى الاركيولوجي، فالأحجار بالإمكان تزييف المنطق حولها ولكن الأشعة ما فوق الحمراء و الحقائق التاريخية الدامغة مثار نقاش مستمر عند المختصين في هذا الجانب وبين المهتمين لوقائع تاريخية متحركة باستمرار تنسفها دوما الكشوفات الأثرية.
 
ما نخشاه ليس أن يكون التجمع شرعيا أو غير شرعي مؤثرا أو غير مؤثر، يدافع عن الحق أو يزايد عليه، يوظفه لغاية في نفس يعقوب أو خلاف ذلك، وإنما الخوف من اختلاط الأوراق التاريخية وزرع بذور الكراهية إزاء الكتب المقدسة للديانات الأخرى وترويج روح الكراهية للشعوب وديانتها، لكون ان هناك حركة صهيونية داخل تربة واسعة اسمها التاريخ والسياسة والاثنيات والثقافات المتلاطمة.

ومن الضروري أن تحصر تلك الجماعات أو المجموعات نفسها في إطار محدد؟ من هي تلك الجماعات التي تود هذه المجموعة فضح تزويرها؟ هل التجمع موجه لفضح أي نوع من التزوير في التاريخ؟ الأنظمة السياسية على سبيل المثال؟ الأفكار والقيم الدينية التي تم تزويرها وإلا لما نشبت خلافات واختلافات في بنية تلك المجتمعات؟
 
فإذا كان النص التوراتي مصدر ذلك الحوار وانعكاساته على الواقع العربي الفلسطيني والدولة العبرية فإننا بهذا التشكيل نؤسس لمشروع يحفر بشكل معاكس ومضاد لمشروع السلام والتعايش، ويؤكد بعدم جدوى التصالح التاريخي بروح متوترة وعدوانية واستعلائية من الجانبين. من سيرفعون لواء مكافحة التزوير عليهم تحديد طبيعة البحيرة التي سيعومون فيها، وإلا غرقوا فيما لو دخلوا محيطا واسعا من التزوير في التاريخ، إذ ليس اليهود وحدهم من مارسوا هذا التزوير، إذ هناك مناطق جغرافية واسعة لم يتدخل فيها اليهود لا من بعيد ولا من قريب، اللهم أنهم صاروا دوما شماعة لكل مصائبنا الداخلية والنابعة من صلب مكوناتنا الثقافية والمجتمعية والدينية. نبارك التجمع كلما تواضع بتغيير تسميته المضخمة ونبارك لهم روح التفهم للتاريخ والابتعاد عن الوقوع في شرك الكراهية بوعي أو دون وعي، فقد سبقتهم منظمات بدأت بنفس الروح وانتهت بضياع البوصلة والأهداف ودخلت إلى نفق العدوانية الأسود، فصرنا نحن والآخر على مستوى واحد من العصبيات. ما يمنعنا دائما الانخراط في تجمعات حماسية مستعجلة تلك الأوراق المختلطة والعناوين المضخمة فهي تذكرنا بوجوه قديمة خاطت وباضت في قبرص، وتغدت وتعشت على موائد فواتير الأنظمة والبارودة الثورية للإخوة الفلسطينيين وإعلامهم في الجزيرة بعد خروجهم المنكسر في بيروت.
 
الأيام  16 يناير 2011