المنشور

الموت بسيف التقاعد…!


للمواطن البحريني ، الذي يعمل في القطاعين ، العام والخاص ،حقوق مكتسبة ، بحكم القانون ، الصادر بهذا الخصوص ، والمنظم لتلكم الحقوق ، التي تم الحصول عليها ، بعد خوض النضالات السلمية المختلفة وعلى كافة الأصعدة ، ودفع أكلاف باهضة الأثمان ، تمثلت بالعذابات والتجويع والمطاردة والسجون والمنافي ، التي عانى ويلاتها المناضلون ، من العمال النقابيين وأنصار المطالب العادلة ، وهذه الحقوق بالمناسبة ، ليست فضلاً أو هبة من أي أحد على الإطلاق ، لأنها تؤخذ غلاباً ولا تعطى .

وفي الوقت الذي ينتظر فيه ذلك المواطن المنكود، بفارغ الصبر، وبعد سنين عجاف طوال، الحصول على بعض  الحقوق القانونية التي كفلها نظام توحيد المزايا التقاعدية، في القطاعين الخاص والعام، والذي وتعهدت بتطبيقه السلطة التنفيذية، بعد مخاض عسير جداً، وبعد نقاشات مستفيضة  بهذا الخصوص ،أعقبت فضائح الفساد الإداري والمالي في التقاعد والتأمينات  ، في هذا الوقت تباغتنا الحكومة ، بالتنصل من الإلتزام القانوني بذلك التنفيذ، متذرعة بضغوط الميزانية ، جراء الأزمة المالية الخانقة ، التي يعاني منها إقتصاد السوق عالميا، وهي ذات الأزمة التي أنكر المسئولون ، وبإصرار ، عدم تعرض اقتصادنا لأية مشاكل من جرّائها، طبعاً لا ندري كيف ، وها هي مؤشرات بعض التداعيات ، المباشرة وغير المباشرة ، تطل برؤوسها المتعددة ، وتنتظر الحلول.
 
لقد عالجت صحفنا المحلية ، بعض بوادر الأزمة المالية العالمية وانعكاساتها وطنياً ،وكذلك نتائج تقرير ديوان الرقابة  المالية والإدارية للعام 2009،الذي كشف بعض مستور الفساد والتلاعب وهدر المال العام ، وأدلى ذوو الإختصاص بآرائهم حولها ، مطالبين – كلٌّ حسب اجتهاده – بوضع الحلول الآنية والخطط الإستراتيجية ، بتدخلّ الدولة ، من خلال  إنتهاج سياسة نظام السوق الإجتماعي ، وحصر الدعم بالمواطنين المحتاجين ، للخروج من الأزمة ، تفادياً لانعكاساتها المؤلمة على أوسع الشرائح المجتمعية في وطننا الغالي.
 
من جملة الكتاّب الذين تناولوا شأن هذه الأزمة ، كان الدكتور حسن مدن ، الأمين العام للمنبر الديمقراطي التقدمي ، حيث نشر في جريدة “ألأيام ” البحرينية ، في عددها المرقم 7931 بتاريخ 27 ديسمبر 2010 م ، مقالاً بعنوان: ” من الوظيفة إلى القبر مباشرة “، جاء فيه ( أبلغ تعبير ، وأكثرها مدعاة للأسى ، نسمعه تعليقا على ما نسب للمسؤولين في الهيئة العامة للتقاعد الإجتماعي عن النيةً في رفع سن التقاعد من ستين عاماً إلى خمسة وستين عاماً، أي إنهم قرروا إرسال المواطنين مباشرة من أعمالهم إلى قبورهم….وهذا ما تدل عليه المؤشرات الرقمية عن متوسط الأعمار في البحرين والتي بالكاد لا تتجاوز السبعين إلا قليلاً ، وفق احدث إحصائية تعود إلى سنوات خلت…. غريب أمرنا في هذا البلد ،….فإن أول ما يخطر في أذهان القائمين على حل الأمور هو التوجه نحو مكتسبات الناس “.
 
وكتب آخرون عن تآكل قيمة العملة وقوتها الشرائية ، لارتباطها الإقتصادي العضوي بالدولار الإمريكي ، الذي يتم طبع المليارات منه دونما غطاء، فيتناقص أمام سلّة العملات العالمية ، التي تستورد من مناشئها مختلف المواد.  
لقد كتب الإقتصاديون وذوي الشأن والمهتمّون بالأوضاع الإقتصادية والاجتماعية وغيرها ، العديد من المقالات وضربوا الكثير من الأمثلة المقلقة حقاً ، عند تناولهم غول الغلاء الفاحش وارتفاع أسعار المواد المعيشية الضرورية .
 
الأدهى والأكثر إيلاماًً واستفزازاً لمشاعر الغالبية العظمى من أبناء شعبنا ، هو إقرار قانون تقاعد السادة النواب ، إذ تشير هذه المهزلة ، وبشكل واضح فاضح ، على مدى التناقض الصارخ بين امتيازات الأقلية وبؤس الأكثرية ، فبالله عليكم كيف تستقيم حياة البذخ والإسراف والتمييز مع ما يعيشه المواطن من شظف العيش والحرمان ؟
 
على السادة النواب ، واجب حتمي ، للقيام بأداء وظيفتهم القانونية ، بالرقابة والتشريع ، لوضع حدّ مباشر وفوري للفساد المالي والإداري، بمعاقبة المفسدين والمقصّرين، لحماية المال العام وحقوق المواطنين، حتى ولو أكد معالي وزير المالية المحترم، بأن الحكومة الموقرة، ليست في وارد تمديد فترة الخدمة إلى خمسة وستين عاماً. 
 
إما المتاجرة بالإصرار على وجوب إقرار علاوة الغلاء من قبل السادة النواب، كشرط لقبولهم بتمرير إقرار الموازنة، فهو ضحك فاشل على الذقون ليس إلا، إذ يعرف الجميع، أن هذه العلاوة البائسة لا تغني ولا تسمن من جوع، حيث زيادة الأسعار الفاحشة شملت كل المواد المعيشية الأساسية، فأصبحت هذه العلاوة ذات الخمسين دينار بحريني، لا تساوي فارق الأسعار قبل موجة الغلاء الأخيرة .

كتب الصحفي الأستاذ خالد القشطيني ، في جريدة “الشرق الأوسط”بعددها المرقم 11580بتاريخ 12 أغسطس 2010 مقالاً بعنوان ” القبور الضاحكة ” ورد فيه “…أستمتع بزيارة المقابر الأجنبية، فكثيراً ما تكون آية من آيات الجمال  والفن …يظهر أن الشاعر العراقي الأستاذ حسن جبر شاركني بهذا الهوس في المقابر .لاحظ أثناء طوافه بمقبرة… قبراً كتبوا عليه ” هنا يرقد جون هكسلي . ولد عام 1925 . وتوفي عام 1980 عن عمر يناهز عشرة أيام “إستغرب من الأمر فتساءل . قالوا له “…نحسب عمر الإنسان بالأيام السعيدة التي عاشها” عاد للبيت فقال لزوجته :” عيني أم سعد ، إذا متّ فاكتبوا على قبري”هنا يرقد حسن جبر من بطن أمه للقبر”.


ألا ترون معي أن هذه التراجيديا السوداء، المضحكة المبكية، تنطبق علينا ؟



إضــــــــاءة

 
يـا خـِيــرة َالشـعــب ِالـكِـثــارْ          أصـغــوا لـواعـيــة ِالـمَـسـارْ
وتــنــكـــبــــوا درب َالأســى           وتــعـــاهــدوا حـلـم َالـنـهـارْ
إن الــنــضــــال َســعـــــــادةٌ           إن الـتـعــاســةً َفــي الـفـرارْ
فـخــذوا الحـقــــوق َوغـالـبوا           بـالسـلـم ِتــزدهــرُ الــديــــارْ