المنشور

هل هو تذويب للعالم العربي؟


بعد سقوط المعسكر الاشتراكي وجدت القوى الغربية العسكرية الكبرى نفسها في مأزق تاريخي، فليس ثمة “عدو”، يبرر هذه المصروفات العسكرية الهائلة خاصة في الولايات المتحدة، التي هيمنت هذه القوى فيها على الحياة السياسية طويلاً من خلال المجمع العسكري – الصناعي.

ومن المعروف كثيراً في الأدبيات السياسية انتشار موضوع ابتكار العدو البديل الإسلامي وضرورة استمرار ماكينة الحروب في إنتاج أكبر الأرباح، وكانت الجماعات والدول الدينية في العالم الإسلامي أقوى مرشح بدلاً من بعبع الشيوعية الزائف.

ومع غليان الأحداث في العالم العربي وتفجر الأزمات، والاقتطاعات الكبيرة من أجسام الدول التي كانت موحدة، أصبحتْ ملامح هذه السياسة متجسدة.

غدت الاقتطاعات والدول الجديدة الهشة حقيقة واقعة، وهذه سياسة ظهرت كذلك في الدول التي كانت تسير في فلك روسيا.

وكانت اندونيسيا في زمن سوهارتو حليفا قويا لدول الغرب هذه في زمن الحرب الباردة وبعدها قلت قيمتها. وفي تلك الحرب فإن وحدة اندونيسيا كانت مهمة لتلك الدول وبعدها غدت عمليات استقلال الجزر الاندونيسية عن الوطن الأم متاحة وأُيدت انفصالات المسيحيين فيها خاصة.
وحين طلبت اندونيسيا مساعدتها على أزمتها المالية في السنوات الأخيرة طرحتْ هذه الدولُ حقيقةَ أهداف سياستها:
“وهي تحرير التجارة الخارجية، وتخفيض التعريفات الجمركية، والإسراع في الخصخصة بالسماح للشركات الأجنبية بشراء الشركات المحلية، وإلغاء مشروعات التصنيع الكبيرة في إندونيسيا”.

إن الدول الرأسمالية الكبرى تواجه عالماً ينضب تدريجيا من المستوردين وكثيرا من الدول تتحول للتصنيع، وتفكك الاتحاد السوفيتي أوجد مثل هذه الدول الهشة التي تعيش في زمن ما قبل العصر الصناعي، وكذلك توجد الدول العربية والإسلامية، والدول الافريقية، فهذه مطلوب أن تظل بهذا المستوى الاقتصادي في زمن ما قبل التصنيع أو التصنيع على الطريقة الخليجية والعربية عامة: إنتاج المواد الخام.

ومن هنا نرى أهمية الحفاظ على البعبع الإيراني وأشباحه المختلفة وعلى القاعدة والصلف الإسرائيلي، مثلما كانت عمليات تقوية النظام العراقي السابق، وكلها من أجل تبرير هذه المصروفات العسكرية الهائلة وإبقاء الانقسامات وعدم نشوء عمالقة اقتصاديين عرب وإسلاميين.

وتكوينات العالم العربية المفتتة هي بحد ذاتها خدمة موضوعية لهذا، فالثالوث التعاوني: مجلس الشمال العربي الإفريقي، ومجلس التعاون العربي، ومجلس التعاون الخليجي، لم تنتج عنها قوة اقتصادية عربية صناعية كبرى أو صغرى.

وفيما تضخ الدولُ العربيةُ الخليجية الأموالَ في بطون أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية تتنامى تلك الدول وتشكل سياساتها المغايرة:
“إن سيطرة الاتحاد الأوروبي على 30% من معدل التجارة العالمية والنمو المطرد لمستقبل التجارة العالمية في حوض البحر المتوسط سيزيدان من قوة وهيمنة الاتحاد الأوروبي، وذلك على حساب التجارة العربية”.

قادتنا سياسات الدول العربية برأسمالياتها الحكومية المتخلفة ومختلف أنواع الايديولوجيات الشمولية التي نتجتْ عنها إلى هذه الحال التحللية.

أخبار الخليج  15 يناير 2011