المنشور

رأسمالية متخلفة


الأحداث الساخنة في بعض الدول العربية ونزول العمال للدفاع عن معيشتهم وسط الغلاء ورفع الأسعار بطرق حكومية متشنجة، يوضح اللحظة الاجتماعية الحرجة التي يعيشها بعض الأنظمة العربية في نموها الاقتصادي.

لقد عُرفت هذه الدول بالاعتدال والتطور الاجتماعي وتحقيق بعض الحريات الديمقراطية المهمة، وأُقيمت على أسس سيطرة حكومية على إنتاج المواد الخام حيث تقوم الشركات العامة بالسيطرة على إنتاج هذه المواد وبيعها للأسواق الخارجية.

وقد برزتْ في العديد من الدول المشكلات المتفاقمة التي تنتج عن سيطرة إدارات هذه الشركات الحكومية على بيع المواد، حيث تقبع الأسواق بعيداً عن متابعة الجمهور وعن الرقابة، ويساير ذلك نظام ديمقراطي محدود، لا يستطيع أن يوسع شفافيته، ويتابع ويكشف الأرباح ويقوم بتوزيعها وتحديد علاقتها بالدخل الوطني العام.

نمطٌ رأسمالي حكومي كان ضرورياً في فترةٍ وأقام القواعد الاقتصادية الوطنية، لكنه مثقل بالبيروقراطية والفساد ومن الصعب الوصول إلى أعماقه، كما أن الرأسمالية الخاصة مُبعدة عن إنتاج المواد الكبرى، وممثلوها السياسيون في البرلمانات والصحافة لا يتكلمون في مثل هذه القضايا الحساسة.

ومن يتحمل كلفة معيشة البيروقراطية العالية التي لا تريد أن تتنازل عن رفاهيتها العالية؟

الحكومات تتداخل مع هذه الظاهرات وتتقاطع، أجزاءٌ منها تقيم علاقات مع هذه البيروقراطية الاقتصادية وأجزاءٌ تنتقدُ وتوسعُ الرقابة.

الحيرة داخل هذه الحكومات والصراعات تطرح خيارات عديدة من دون ظهور نظام اقتصادي سياسي متكامل، والرأسمالية الحرة الديمقراطية الكاملة ضرائبها كثيرة وطرقها غير سالكة.

وفي مقابل تضعضع نموذج الرأسمالية الحكومية الواسعة وشبه المطلقة تُطرح خياراتٌ أغلبها حاد، كالعودةِ للاشتراكية، وهدم الأنظمة الاستغلالية، وغير ذلك من سيناريوهات رهيبة لفظية زاعقة.

في بعض البلدان العربية التي واجهت تمردات الفقراء فإن رأسماليات إنتاج المواد الخام القائمة على بروليتاريا معوزة ومتخلفة علمياً، تعبيرٌ عن نظامِ إنتاج للموادِ الخام لم يستطع أن يتطور، وينتقلَ لنظامِ إنتاجٍ متطور.

مواد خامٌ منتجةٌ بعمالةٍ ذات عمل غير مركب، أي بسيط، وتُرسلُ لأسواقٍ متقلبةِ الأسعار، متدنيةٍ لها بشكلٍ مستمر.

وسلعٌ مجلوبةٌ من الخارج نتاجُ عملٍ مركبٍ متطورٍ ذات أسعار مرتفعة بشكلٍ دائم كذلك.
والهياكلُ الاقتصادية – السياسية – التعليمية- الاجتماعية تحافظُ على هذه المبادلات الضعيفة وتنخرُ الجانبين لصالحها، تنخرُ الموادَ المُرسلة المُباعة، وتنخرُ المواد القادمة المُشتراة، فتزدهر من الجانبين، بينما القوة العاملة تعاني إنتاج المواد الوطنية الرخيصة وشراء المواد الأجنبية الغالية!

البروليتاريا الفقيرة الريفية المتخلفة ذات الوعي الديني الموجودة عادة في أطراف البلدان، أو في الأحياء الفقيرة الرثة وسط المدن، تنتقلُ ببساطةٍ للفوضى في أي حادثة وطنية فردية أو اجتماعية مأساوية، وانتقالها للفوضى دليل على ضعف وعيها النقابي، ودع عنك وعيها السياسي، فهي خلال تلك المبادلات الاقتصادية -الاجتماعية الطويلة الزمن، لم تكن تتابع، ولم تكن تطور أدوات وعيها، ومستويات تقنياتها.

يُفترض أن تتوجه عملياتُ الإصلاح لتغيير طابع المبادلات وتطويرها، بالابتعاد عن التركيز في إنتاج المواد الخام، والانتقال للتقنيات الحديثة وتنويع مصادر الإنتاج، وعدم الإخلال بتطور القوى المنتجة البشرية من حيث نصيبها من الفوائض الاقتصادية ومن إعادة مستوى عيشها وتعليم أجيالها، وتطوير قنوات الاتصال مع الجمهور المنتج، وأدوات تعبيره وإيصال صوته.

ضرورة التغيير الديمقراطي على مستوى الأجهزة والصناعة، وعلى مستوى تغيير وعي الجمهور المتشبث بالماضي والكسل الاجتماعي وعدم القراءة وعدم التحديث.
 
أخبار الخليج 12 يناير 2011