المنشور

أموال المجالس البلدية للوجاهة


تصادف الواحد منا وهو عابر في طريقه يافطات هنا أو هناك تُعلن عن دورات في كرة القدم تحت رعاية عضو المجلس البلدي فلان الفلاني، أو حملة التبرع بالدم تحت رعاية رئيس المجلس البلدي علان العلاني، وعلى هذا قس الكثير من الأنشطة مثل تنظيم العرس الجماعي لأهالي هذه المنطقة أو غيرها، أو حملة العمرة أو الحج أو سواها بدعم من أعضاء ورؤساء مجالس بلدية تتصدر أسماؤهم وأحياناً صورهم يافطات هذا النوع من الأنشطة

من لا يعرف بواطن الأمور يبدو له أن الأعضاء المذكورين يخصصون جزءًا من رواتبهم لدعم مثل هذه الأنشطة ابتغاء لعمل الخير وخدمة أبناء دوائرهم وتشجيع أنشطتهم، ولكن الواقع ليس كذلك أبداً، فالأموال التي يصرفها هؤلاء لا تخرج من جيوبهم، وإنما من المال العام، وبالتحديد من الموازنات المخصصة للمجالس البلدية، فبدلاً من أن توجه هذه الأموال للنهوض بمرافق البنية التحتية للمواطنين، تصرف على أعمال الوجاهة والدعاية الانتخابية للنواب البلديين والجمعيات السياسية التي يمثلونها.

ولسنا هنا ضد أي عمل خيري يقوم به نائب برلماني أو بلدي خدمة لأبناء دائرته، شريطة أن يقوم بهذا العمل من ماله الخاص، لا أن يستخدم المال المخصص للمنفعة العامة في أنشطة تلمع صورة النائب البلدي.

حسناً فعل ديوان الرقابة المالية، في تقريره الأخير، حين وضع مُعدوه أياديهم على وقائع هذا الاستخدام للمال العام في أنشطة هدفها الأول والأخير تلميع صورة الأعضاء البلديين، ولن نتوقف هنا أمام ما ذكره التقرير من الصرف الباذخ للمهمات الخارجية من قبل رؤساء وأعضاء المجالس البلدية الذي تجاوز في بعض حالاته ضعف الموازنة المعتمدة في بعض المجالس، ولكننا سنتوقف خاصة أمام الأنشطة التي أشرنا إليها في بداية الحديث.
فحسب تقرير ديوان الرقابة المالية فالمجالس البلدية تقوم بالصرف على أنشطة وفعاليات خارجة عن اختصاصاتها، مثل تكريم الطلبة المتفوقين والإعلاميين والصحافيين والمتقاعدين والمؤذنين، وتمويل أنشطة رياضية وترفيهية وحملات تبرع بالدم، والمساهمة في مصروفات الزواج الجماعي، ودعم أنشطة دينية مثل حملات العمرة ومراكز تحفيظ القران الكريم وجمعيات دينية ومآتم.

ديوان الرقابة أوضح أن تمويل مثل هذه الفعاليات والأنشطة ليس من اختصاص المجالس البلدية ولا علاقة له بالبرامج التي يفترض أن تسهر على تنفيذها، وإنما هو من اختصاص جهات رسمية أخرى يجب مساءلتها في حال تقاعست عن النهوض بهذه المهام، وبينها المؤسسة العامة للشباب والرياضة، ووزارة التربية والتعليم ووزارة التنمية الاجتماعية ووزارة العدل والشؤون الإسلامية وإدارتا الأوقاف السنية والجعفرية.

هذه الوقفة من جانب ديوان الرقابة المالية تدق الجرس حول تجبير المناصب البلدية لأغراض انتخابية وحزبية بتحسين صورة الأعضاء البلديين في دوائرهم عبر استغلال المال العام، وبما يغطي عجز الكثير من البلديين في القيام بالواجبات البلدية التي انتخبوا من أجلها في النهوض بالبنية التحتية في مختلف المدن والقرى التي يمثلونها، عبر الهروب إلى أنشطة دعائية يُسوقون أنفسهم عبرها، فيما الخدمات البلدية تكاد تكون على حالها من الضعف والتردي، رغم انه مضى على بعض البلديين في مواقعهم دورتان انتخابيتان وأكثر.