المنشور

حتى لا ينام التقرير في الأدراج


أمر جميل أن يصدر في هذا الوقت من كل سنة مرةً تقرير ديوان الرقابة المالية، ويستحق الديوان والفريق العامل فيه كل الثناء والتقدير على ما يبذلونه من جهود كبيرة في إصدار التقرير بهذه الدرجة العالية من الكفاءة والمهنية والاحتراف.

وفي كل مرة يصدر هذا التقرير ونطلع على عناوينه الرئيسية نضع أيادينا على رؤوسنا من هول ما يكشف عنه من تجاوزات، مع أن بعض هذه التجاوزات كانت حديث الناس في حينه، فعيون الناس وآذانها مفتوحة على ما يدور، والفساد لا يمكن إخفاؤه، في وقائعه الصارخة على الأقل.

لكن رغم مهنية التقرير وشدة وقع ما ينطوي عليه من وقائع وبيانات، فان الضجة التي ترافق صدوره لا تستغرق سوى اسبوع أو اسبوعين، يصبح فيها حديث الناس ووسائل الإعلام، وندوة هنا أو هناك لهذه الجمعية السياسية أو تلك، وبضعة تصريحات لبعض النواب تهدد بالويل والثبور في محاسبة المتورطين في الفساد.

ولكننا خلال أربع سنوات هي عمر الفصل التشريعي السابق لم نسمع عن لجنة تحقيق برلمانية واحدة في أي وزارة من الوزارات او الهيئات الحكومية التي أتى ذكر وقائع الفساد فيها، ولم يمثل وزير أو مسؤول أمام المجلس أو إحدى لجانه ليرد على أسئلة تطال الأمور التي جاء التقرير على ذكرها.

وتمر الأيام والأسابيع والشهور لينام التقرير بما فيه في الأدراج، كأن التجاوزات تنخلق من تلقاء ذاتها، وكأن لا أحد مسؤولاً عنها، وينسى الناس الأمر، وينصرفون الى أمور أخرى، حتى يحين موعد صدور التقرير الجديد، لنعيش الموال نفسه من أوله.

يمكن إيراد بعض الملاحظات حول التقرير الأخير نفسه، والتساؤل عن سبب تغاضيه عن تغطية بعض المرافق الحيوية التي يجب أن يطالها التحقيق، لكن ذلك لا يجعلنا نغفل عن حجم التجاوزات التي رصدها، والتي فاقت هذا العام مثيلاتها في الأعوام السابقة، وبالتالي علينا أن نعمل في سبيل تنظيم آليات ضغط على الجهات المعنية وفي مقدمتها مجلس النواب من أجل أن يكون في مستوى المسؤولية الملقاة على عاتقه في متابعة معطياته ومحاسبة المعنيين بالأمر من وزراء ومسؤولين.

في جس نبض سريع أجريته على الفيسبوك لتوقعات الناس حول ما يمكن لمجلس النواب أن يفعله ازاء التقرير، لمستُ ما يشبه الاجماع على فقدان الأمل في أن يقوم المجلس بأمر ملموس في هذا الاطار، ولكن بالمقابل قرأنا تصريحات لبعض النواب من أنهم لن يدعوا التقرير يمر دون محاسبة المسؤولين عما ورد فيه.

وسنأخذ هذه التصريحات على محمل الجد، وسنقف داعمين بقوة لأي مسعى تقوم به كتل المجلس في هذا الاتجاه، حيث يبدو مهماً أن يُلزم المجتمع، بقواه الحية وناشطيه، أعضاء المجلس بما ألزموا أنفسهم به، وأن نشهد في دور الانعقاد الحالي ما يبرهن على جدية هذا التوجه، الذي سيكون محل ترحيب وتقدير من المجتمع.

فلعل في هذه المقاربة ما يدفع في اتجاه اعتماد معايير الكفاءة ونظافة اليد ونزاهة الضمير والحرص على المصالح الوطنية العليا في التعيينات الإدارية، وضمان حُرمة القانون، ومنع التطاول عليه أو التحايل على بنوده.