المنشور

وجوه في مصابيح الذاكرة


مع إطلالة العام الميلادي الجديد كل عام وانتم بخير يطل علينا الأخ إسحاق الشيخ «عساه على القوة» بإصداره الجديد «وجوه في مصابيح الذاكرة» الجزء الرابع.
قبل الحديث عن ما تحمله هذه الوجوه من دلالات ومعان ومحطات تعج بالتفاصيل يقول «الشيخ» وجوه تمر بها «وتمضي غير مبالٍ، ووجوه تستوقفك بدهشة عند شواطئها.. وجوه تغدو الخطى مسرعا عنها ووجوه ترابط أمامها.. وكأنك في صمت.. وأنت تتأملها.. وتحسب واهماً أنها تبادلك التأمل!!

ويقول أيضا أخطو في الوجوه.. وكأني أخطو في الحياة.. أصيب منها وأخطئ!! تلكم وجوه عرفتها وقلت كلمتي فيها.. أكنت مصيباً ام على خطأ؟! أني اطلب المعذرة من احد ولا اطلبها من احد.

حقيقة الوجوه التي توقف عندها الشيخ بعضها يشبه الحياة في خصوبتها ووهجها وبعضها سلبي اتخذ من الكذب والرياء والطائفية طريقاً في الحياة وبعضها انكفأ على مصالحه الخاصة والآنية وبعضها أشهر سيوف القتل والإرهاب في وجه الحياة المتجددة.
وعلى امتداد هذا الإصدار ثمة وجوه كثيرة لن نستطيع ان نشير اليها جميعاً وانما سوف نكتفي ببعضها.
 
الكاتب قدم لنا بذلك عملاً لا يشبه الا الحياة في تنوعها واضطرابها وجمالها ويأسها وفي يمينها ويسارها وفي تقدمها وتخلفها ومن تلك الوجوه الجميلة المشعة التي رحلت ولم تبارح الذاكرة وجه علي العبيدلي السعودي الوطني التقدمي الاممي يقول الشيخ عن هذه الشخصية المسحورة بمطالب العمال وحقوقهم العادلة: هو من رعيل المناضلين الاوائل الذين كانوا يسجرون خبز الكادحين بعرق ودماء قلوبهم في تنور الحياة.. ويذللون كل شيء على طريق المعدمين والمحرومين والمظلومين في أصقاع الأرض. وكان ركيزة جميلة في النضالات المطلبية والحقوقية لعمال شركة الزيت وكان يتوثب مع المتوثبين.. ويساهم مع المساهمين ويشارك مع المشاركين بروح وطنية طيبة فاعلة صامتة!!

كان هذا في الخمسينات.. وكان شعلة هادئة ذكية نقية انيقة تتوقد في الصفوف الأمامية.
ويستطرد الشيخ حديثه بالقول كان العبدلي يرى في عبدالعزيز معمر مثاله الذي يتجدد في الحياة ورغم هذا الانقطاع المضني والبليد.. فقد كانت ذاكرتي تتسقط جمالية روحه التي ما انفكت تختال فوق شطآن روحي بمناسبة وبدون مناسبة. وكان الالم الأليم الذي استوى فينا جرحاً ما فتئ يوغل فينا مزقاً وخوفاً.. وتراني في وفائي المتأخر انحني أمام جثمانه الطاهر، كما انحني أمام خصاله الوطنية والإنسانية التي ما هانت ولا خارت في سبيل رفعة وكرامة وإنسانية الوطن!!

ومن الوجوه البحرينية الوطنية التقدمية التي ارتبط اسمها بالتاريخ الوطني والتحرري وتفاعلت بنكران ذات في الصراع الفكري والسياسي والمطلبي من اجل الحرية والمساواة والعدالة والتقدم المناضل الراحل احمد الذوادي.
وعن هذه الشخصية المتفانية الى أبعد الحدود يتحدث قائلا: لقد كان الدرس الأول الذي تواقده الذوادي وهو في المرحلة الاولى من دراسته الثانوية درسا في علم وعي العمل السياسي السري.. هناك.. وفي احدى الامسيات تدانت اليه شمعة ايرانية تتلاهب بأفكار «تودوية» ولا مست بعناية ذباله شمعتها ذبالة شمعته.. فالتهب وعيه في دفء شيء يسري كالدم في عروقه «وعلى مراحل هذا التلامس الفكري استوى فكراً بحرينيا خلاقا يقدح بذباله شمعته الشموع البحرينية الاخرى.. من اجل إنارة دروب المعدومين والمحرومين ودفعهم الى واحات الحرية والديمقراطية والعدل والمساواة.. وكان الذوادي إحدى الشموع البحرينية التي راحت في غرة تلاهبها .. تتلاهب ضمن كوكبة شموع بحرينية – تودوية تتبوأ فعل وتفاعل وجودها على الأرض البحرينية في أزمنة متيسرة من التاريخ. وكانت ولادة فجر جبهة تحرير وطنية تتواقد فكراً وعملاً وتنظيماً في أممية وطنية متألقة..

كان الذوادي الذي استوى كادراً مسؤولاً في جبهة التحرير البحرينية ثم امينا لها في زيارات مكوكية لبيت اخته القاطنة في الدمام مع زوجها وكانت لقاءات وطنية وتنظيمية تأخذ تلاقح شموعها مع بحرينيين وسعوديين وكان للذوادي وخليفة خلفان الذي قضى سنواته العشر في السجن ادوار وطنية واخرين بحرينيين تعرضوا للسجن والاعتقال مثل علي.. وفلاح.. وابريق وتذكر رزنامة الذاكرة ان الذوادي كان يعمل في الدمام في مكاتب سكة الحديد وعبدالله في مطبعة ابو خمسين ويوسف في كلية البترول في الظهران وهما من كوادر جبهة التحرير وفي غفلة تهاوت منطفـئة شمعة يوسف والتحقت بها متهاوية شمعة عبدالله.. وبقيت شمعة الذوادي شامخة تتلاهب فكراً وعطاء للانسانية التقدمية رغم السجن والتشريد والمرض.

ومن الوجوه الخليجية القابعة في مصابيح الذاكرة نورية الصبيح التي اشار اليها الشيخ بقوله لقد ارتفع صوت المرأة الخليجية والعربية حراً جميلاً واثقاً مدوياً في البرلمان الكويتي ضد أوباش الظلام والإرهاب والتخلف الذين تنادوا «عواء» كالوحوش الضارية تحت قبة البرلمان الكويتي للإطاحة بوزيرة التربية والتعليم العالي نورية الصبيح.. كانت نورية محط ترصد من قوى الظلام والتخلف والارهاب منذ ان كانت في عين رعاية حكومية صائبة واثقة بكفاءتها لتبوؤ منصب وزارة التربية والتعليم العالي.. وقد بدأ الاحتجاج والتنديد يوم توزيرها وعز عليهم.. شرعا «واسلاموياً لا مرأة سافرة حاسرة الرأس ان تقوم بتأدية القسم ورفضت ان يتدخل احد في شؤون كرامتها الخاصة.

وعلى ما عرضنا من وجوه فهي ليست الا نماذج من وجوه كثيرة شخصها إسحاق ورسم أبعادها بعناية في الحياة.
 
الأيام 1 يناير 2011