المنشور

حيـرة عمالية


مع تبدل المنظومة العالمية وتكشف طبيعتها الموضوعية فإن الحركات المؤدلجة تخسر الكثير من الوقت في وقت التحولات العاصف.

إن شعارات مثل “تسقط الرأسمالية” في العالم الثالث ولنبن الاشتراكية ربما لا تزال تدورُ في ذهنِ بعض النقابيين واليساريين، خاصةً في حالات جمود الطبقة الحاكمة وتحجر نهجها الاقتصادي وتوسع الفقر والبطالة فإننا يمكن أن نصادف مثل هذه الشعارات وتظهر ردود أفعال لدى بعض الفئات المغبونة.

وسوف تكون الشعارات المعاكسة مثل لنسهم في تطور الرأسمالية أو لنقمْ بتصحيحِ الرأسمالية، مثار بلبلة في هذه الأوساط.

إن رؤية هذه الأوساط جامدة للحراك التاريخي الذي جرى في القرن العشرين السابق، حيث اتضحت العملية المركبة المعقدة لتطور الرأسمالية العالمية، وانتقلتْ أحزابٌ اشتراكية في أوروبا الشرقية وأمريكا اللاتينية للحكمِ أو للمشاركةِ في الحكومات، من أجل أن تجعل القطاعات العامة أكثر شفافية، ومن أجل تقليص هيمنتها على الاقتصاد والحياة السياسية والاجتماعية والإعلامية، وكذلك من أجل أن يتوسعَ حضورُ القطاعات الخاصة في الاقتصاد والمسئولية السياسية الوطنية وتصححَ بعضَ جوانب ذاتيتها الحادة.

أصبحت قضايا الحد من البطالة والفقر والمشاركة في الثورة الصناعية والثورة التقنية، وتكوين الرأسماليات التي تحقق القفزات الاقتصادية الكبرى على الطريقة الصينية والكورية الجنوبية والفيتنامية، من مطامح قادة اليسار والنقابات.

إن الحد من الاستغلال الجامح ومجابهة عدم التفكير في أوضاع الطبقات العاملة ومخاطر العولمة ونقل العمالة الأجنبية ومقاومة تفشي الأوبئة وتصعيد حضور النساء في العمل والنقابات والحكم، ونقل الثورة التكنولوجية والتعاونية للأرياف، وغيرها من قضايا غدتْ محوريةً في تطور الرأسمالية بمستوى تطوراتها الراهنة، كل هذه القضايا والأفكار تغدو أكثر صعوبةً وأوسع تحدياً في حياة المجتمعات العربية الإسلامية المنغلقة العائدة للوراء والمتجهة للتفتت وتذويب نفسها في عالم يقفز نحو التكتلات الكبيرة.

فإذا كانت القيادات النقابية واليسارية العربية لا تقدح زناد فكرها بعمليات تجديد خلاقة فهي تشاركُ بشكلٍ صامتٍ في تدهور الحال العربي، ولا تجد نفسها إلا مع قوى التفتيت.

لكن الأمور أعقد من ذلك وأخطر، فقد رأينا الكويكبين الرأسمالي الغربي والاشتراكي القومي الشرقي يصطدمان ويكونان أرضاً جديدة، لكن العملية القادمة هي التصادم الداخلي لهذين الكويكبين داخل كل بلد، أي تشكيل رأسمالية صرفة في البلدان الشرقية، وتبدل موقعي الرأسمالية الحكومية والرأسمالية الخاصة، ليظهر مزيجٌ منهما حسب ظروف ومستوى كل بلد.
 
أخبار الخليج 1 يناير 2011