المنشور

الطائفية العسكرية ومخاطرها


تتداخل قوى سياسية واجتماعية عديدة لتصعيد صراع طائفي مناطقي، فالضفافُ السياسية للقوميتين الكبريين العربية والفارسية قاصرة عن الصعودِ للسواحل الحداثية العلمانية الديمقراطية.

لا تمتلك القوى المحافظة ذات البرامجِ العسكرية الاستنزافية لمواردِ الشعبين العربي والإيراني سوى إبقاء هذا الغليان السياسي على حوافهِ المتوترة خدمة لبقاء تلك البرامج غير العقلانية التي لا تمتلك أفقا مستقبليا.
مثلما ان هذا التوتر يغذي المنابع الغربية المنتجة للسلاح بالفيض الذهبي ليبقي أفواهَها البركانية النهمة لا تخبو لها نار.

فكلما استمر الطرفان العربي والإيراني في إلقاء فيوضهما المالية في التنانير الحارقة تأجلتْ المشروعاتُ التنموية وركدتْ الأسواق وعانت الناس.

إن الدوائر السياسية الإيرانية في تحديدها هدفا مستحيلا غريبا عن العصر وهو إعادة الامبراطورية الفارسية بشكلٍ طائفي تغذي الكتلَ السياسية والاجتماعية في الدول الأخرى لمماثلتها، ولاتباعِ رمزيتها السياسية، وإذا لم تقم بالتطابق مع في رؤيتها تؤيد قسما منها والمهم هو ظهور المارد.

إنها تتلاعب بالمفردات الدينية والقومية ولغة الجوار لتكوين تلك الفاشية الواهنة.
إن تهيئة الاصطفافات الطائفية والقومية المحافظة هي مصدرُ براميل الماضي العفنة المفتوحة لتسميم الأجواء السياسية والثقافية لدى الشعوب، ولهذا غدت الظلامية دينا، بكل ما يمورُ بها من كرهٍ للطوائفِ وإبعادٍ للعقل وإطفاء للمناهج العلمية والنظريات الحديثة عن عقول الشبيبة خاصة، وإغراقهم في الميثولوجيا والسحر والتعصب، فهذه هي أدواتُ الفاشية الدينية حين تقتربُ لحظاتُ أكل الذبائح البشرية.

وقد بزتها القاعدة في تطبيق هذه البرامج ونشرت عقيدة وواقع المسالخ في العراق وغيره، والجماعتان هما وجها عملة التعصب الراهنة، تعكسان عجز القوى الطائفية المحافظة عن ان تخرجَ من مأزقها السياسي التاريخي الاجتماعي الراهن من دون نسف هذا التاريخ الطائفي.

وهما من الناحية الفكرية التصقتا بتاريخ طائفي منعزل غير أرضي، مكابر ويربط نفسه بألوهة لا يملكها سواه.
لقد خلقتا هذه المادة المحافظة المتخلفة القائمة على العداء للعلم والديمقراطية والإنسانية.
وهي التي تعتمد على سذاجة الجماهير ونشر الغيبيات الصارخة المبطلة لحكم الدين والعقل، ورفض القرآن والسنة الداعيين للسلام والوحدة بين المسلمين والعلاقات الطيبة مع الشعوب.

تتحول الصراعات الاجتماعية لديهما إلى صراعات عنصرية، وجودية، فلديهما يجب القضاء على الإنسان لنقضي على مشاكله، وليس ان نبقيه ونحل تلك المشكلات.

التشابكات الخطرة المفصلية قد تقع فيها الشرارة، فثمة كومات من الحطب اليابس ومن الجرائم التي لم يُكتشف القتلة فيها، والمحكمة الدولية قد تلقي مثل هذه الشرارات، وهكذا صارت المنطقة التي انطلقت فيها الذئاب الرمادية الطائفية تتوسع فيها المواد (البلقانية) المفجرة للحرب العالمية.

والعنصر البشري أثمن ما لدى المتحضرين الإنسانيين أما الفاشيون فالإنسان لديهم مجرد أداة وإذا كان مخالفا فيجب قتله، ومن هنا تغلغلت هذه الثقافة البربرية في الأحزاب (العربية القومية) والجماعات الدينية الإرهابية، وغدا حل المشكلات بالسيارات المفخخة وملء الأسواق بالقنابل وإرسال الطرود وتصفية المفكرين والمناضلين.
حين تتحجج الهتلرية بالعرقية وتصفية ما هو غير آصيل آري، ألا يعيدنا هذا إلى لغة الايديولوجية نفسها عن المذهب النقي والعنصر الآري النقي؟

لكن هذه القوى المتخلفة لم تملك تقنيات عسكرية كبرى تقوم عبرها بحروب ساحقة للأمم، فالغزوات الإرهابية والتدخلات في شؤون الدول العربية وقتل الزعماء العرب لم تنجح في تشكيل اختراقات كبيرة، مثلها مثل أفعال كوريا الشمالية النظام الباحث عن الانتحار، لا يقرب سوى زمن زواله.

ان ما عثر عليه هتلر هو شعب ألماني متطور طائع قادر على تفجير ثورة صناعية عسكرية، أما هؤلاء فغير قادرين على ذلك لكن الخطورة العظيمة موجودة، وتجميع كل القوى السياسية والاجتماعية السلمية والإصلاحية وعلماء الدين الكبار ضرورة لأجل درء خطر المغامرين وانتصار السلام.

وغياب القوة العربية التحديثية التوحيدية هو الذي يوجد هذا الفراغ.
 
أخبار الخليج 27 ديسمبر 2010