المنشور

نشرات الجمعيات السياسية

 

لم تنل ما تستحقه من اهتمام قضية سحب تراخيص نشرات أربع جمعيات سياسية في شهر سبتمبر الماضي، والجمعيات التي طال الإجراء المذكور نشراتها هي المنبر التقدمي والعمل الإسلامي ووعد والوفاق، وجاء هذا الإجراء في وقتٍ كانت جهود الجمعيات السياسية موجهة نحو الحملة الانتخابية.

لا يمكن النظر إلى هذا الإجراء إلا بوصفه تراجعاً عن أمر متحقق، جاء كثمرة من ثمرات التحولات السياسية في البلاد، التي وسعت من نطاق حرية التعبير من خلال قنوات مختلفة، بينها النشرات الناطقة باسم الجمعيات الفاعلة في المشهد السياسي في البلاد، والقول إن النشرات المذكورة خرجت عن نطاق التصريح الممنوح للجمعيات التي تنطق باسمها، بحاجة إلى مراجعة لا من وجهة نظر التقيد الحرفي بمحتوى هذا الترخيص، وإنما من زاوية ضرورة الارتقاء بالتشريعات لتواكب الحراك السياسي في البلاد.

ونحن هنا نتحدث عن نشرات تنطق باسم جمعيات تتحلى بالرشد السياسي في إدارة خطابها، انطلاقاً من ثوابت العملية الإصلاحية في البلاد، ومن منطلق الحرص على الحفاظ عليها وتطويرها، وهذا ما عكسته إلى حدود بعيدة النشرات التي طالها قرار سحب الترخيص.

فالجمعيات التي تصدر هذه النشرات تعمل بموجب القانون، وهي حريصة على التقيد بأحكامه، وجوهر قانون الجمعيات السياسية يقر بالطبيعة الحزبية لهذه الجمعيات، بصفتها مظهراً من مظاهر التنظيم السياسي في المجتمع وتطلعات فئات واسعة من المواطنين، تجد في هذه الجمعيات السياسية معبراً عن تطلعاتها وأهدافها.

والعمل الحزبي الذي يضمنه قانون الجمعيات السياسية، لا يمكن أن يستقيم بدون قنوات تواصل مع الجمهور لطرح آراء هذه الجمعيات ومواقفها ورؤيتها حول أوضاع البلد في مختلف المجالات، وفي مقدمة هذه القنوات تأتي الصحافة الحزبية.

لذا فان المطالبة بأن تقتصر الجمعيات السياسية على نشرات اخبارية توزع على الأعضاء فقط يخل بشروط العمل الحزبي التي نعرفها في العديد من البلدان العربية التي تقر حرية تشكيل الأحزاب، ونعطي بذلك مثلاً على تجربة بلديين عربيين هما الأردن ومصر، وهما تجربتان فيهما الكثير من أوجه الشبه مع تجربتنا في البحرين.

وإذا كانت النشرات الإخبارية تتسق وطبيعة الشركات والمؤسسات الاقتصادية وما هو في حكمهما، فإنها لا يمكن أن تتسق، في أي حال من الأحوال، مع جوهر العمل الحزبي ومغزاه، القائم أساساً على بلورة رأي عام في المجتمع إزاء القضايا المختلفة، وما الإعلام الحزبي إلا أحد وسائل تشكيل هذا الرأي.

وهذا ينبه الى أن الحريات والمكاسب التي تحققت في البلاد يجب أن تحميها تشريعات متطورة، وفي الإجمال فان هناك قاعدة مهمة تقول إن التطور الاجتماعي السياسي في كل مجتمع هو الذي يكشف عن الحاجة للتشريعات والأنظمة التي تنظمه، وهذا ما ينطبق بصورة تامة على حالنا اليوم في البحرين، حيث تنشأ الحاجة لتطوير التشريعات الضامنة للحريات في قانوني المطبوعات والجمعيات السياسية وسواهما من التشريعات ذات الصلة.

وحتى يتحقق ذلك ليس مطلوباً مصادرة ما أنجزه المجتمع من حريات، وإنما توفير متطلبات حمايته، ومن هنا تنبع دعوتنا إلى معالي رئيس هيئة شؤون الإعلام وكافـــة الجهات المعنية في الدولة بسرعة إعادة النظر في القرار المذكور والسماح لتلك الجمعيات باستئناف صدور نشراتها.