المنشور

الفساد وحقوق الإنسان.. تلازم المسارات!

نهاية الأسبوع الفائت احتفل العالم باليوم العالمي لمكافحة الفساد وتلاه مباشرة الاحتفال باليوم العالمي لحقوق الانسان، كما اصدرت وزارة الداخلية وربما للمرة الأولى حسب علمي، بيانا بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة الفساد، فيما اصدرت بعض جمعياتنا السياسية بيانات بالمناسبة في حين غاب السواد الأعظم منها عن التعبير وكأن لا علم لهم جميعا بالمناسبتين من قريب او بعيد!
القضاء البحريني نظر في ما مجموعه سبع قضايا فساد فقط خلال العامين الماضيين2009/2010 تركزت جميعها في مؤسسات ووزارات وجهات حكومية دون سواها، كما اكتفى مجلس النواب في الفصل التشريعي الثاني برفع تساؤلاته وقام بعرض ملف حول أملاك الدولة ورفع فيما بعده توصيات بخصوصه الى الحكومة دون أن نرقب اي متابعة أو مساءلة لأي من الجهات المعنية بالملف وما ورد فيه من تفاصيل تم استعراضها وتوظيفها جماهيريا في ندوات وتحشيدات استبقت بها بعض القوى السياسية الاستعدادات الأخيرة للانتخابات النيابية والبلدية الأخيرة.
في بيان وزارة الداخلية المتعلق باليوم العالمي لمكافحة الفساد كان هناك ربط واضح بين الدور المطلوب من الأجهزة الرقابية والأمنية ممثلة في وزارة الداخلية دون إغفال للجوانب العقابية ودور مؤسسات المجتمع المدني في ما أسمته بتكامل كافة الجهود المجتمعية لمكافحة الفساد باعتبارها عقبة كأداء امام مسارات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وقد شجعت الوزارة المواطنين على تفعيل الخط الساخن وأبدت استعدادها لتلقي الشكاوى المتعلقة بالفساد من خلاله، وقد لاحظنا ارتفاع لافتات في العديد من شوارعنا الرئيسة تدعو لمكافحة الفساد وهي دعوات لاقت اهتماما وتقديرا كبيرين من قبل الجمهور، وسنظل كمتابعين ومراقبين في انتظار ان تمضي الوزارة لتحقيق خطوات اكبر في ما يتعلق بمحاربة الفساد، وحتى لا نبخس الوزارة حقها فمكافحة الفساد تحتاج بالفعل لجهود متكاملة حيث لا تستطيع وزارة أن تقوم بتلك المهمة، فقضية الفساد لايمكن لجهة لوحدها أو حتى بعض الجهات أن تقوم بها منفردة، وقد وعت الكثير من مؤسسات المجتمع المدني وبعض الجمعيات السياسية مسؤولياتها باكرا تجاه قضية الفساد ومخاطرها واقامت بشكل متواصل الكثير من الندوات واللقاءات وأعدت الكثير من الملفات، مستفيدة مما يطرح باستمرار من قضايا تتعلق بالأراضي والأموال العامة والسواحل والرشا التي تقدم في الكثير من المعاملات وغيرها، وقد كشفت العديد من التقارير جزءا مهما منها، وربما كان لتقارير ديوان الرقابة المالية والإدارية النصيب الأكبر في كشف تلك التفاصيل، كما رفعت العديد من الجهات شعارات مكافحة الفساد، ومن المفرح أن القضاء انتصر في النهاية لصوت العقل وأعاد شعارات مكافحة الفساد لبعض المترشحين مجددا كنوع من التعويض الأدبي لهما.
في اليوم العالمي لمكافحة الفساد واليوم العالمي لحقوق الإنسان لابد من التأكيد على تلازم القضيتين بدرجة كبيرة وإن اختلفت اساليب وطرق المعالجة في الحالتين، الا أن المؤكد أن قضية الفساد هي أحد اهم عوامل انتهاكات حقوق الانسان، حيث ان سرقة موارد الدولة والتطاول على المال العام والممتلكات العامة وتقديم الرشا لمسؤولين في القطاعين العام والخاص هو في جوهره اهدار للموارد وللحقوق الأساسية للناس من دون استثناء، وتغليب للغة الغاب على لغة الشفافية وتعزيز الحقوق ودولة القانون، وهي جميعها بنود أكد عليها الدستور ووثقتها القوانين المرعية والاتفاقيات الدولية، خاصة وان البحرين كدولة نامية وهي تسير باتجاه عملية التحول الديمقراطي تتجه بمعية مجتمعها المدني النشط لأن تتكامل فيها منظومة التشريعات الناظمة لمسار عمل الدولة، وقد صادقت مملكة البحرين بالفعل على الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد وبقي عليها أن تستعجل دون ابطاء تقديم مستندات التصديق الى الأمم المتحدة حتى تكون قد قامت بكافة الخطوات الإلزامية المطلوبة، وهي خطوة لو تم تسريعها حتى تكون مترافقة مع خطوات عملية أكبر مع تقديم المزيد من دعاوى الفساد أمام المحاكم، والإسراع في تشكيل هيئة وطنية لمكافحة الفساد وغيرها من الخطوات الإيجابية، فاننا نجزم أنها ستُغير كثيرا من المؤشرات التي تحسب للبحرين على مستوى مكافحة الفساد، وايضا الجدية في تحقيق تقدم مماثل في ملف حقوق الإنسان بكل تشعباته، وتحقيق المزيد من وجوه العدالة المحسوسة بشكل اكبر في الملفات والقضايا المنظورة أمام المحاكم وانصاف ضحايا فترة أمن الدولة، وربما انطلقت الخطوة الأولى مما اعلنته مؤخرا المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان من انها تعكف على وضع استراتيجية شاملة لملف حقوق الانسان والتي نتمنى ان تتشارك في وضعها مع بقية مؤسسات المجتمع المدني.
 
صحيفة الايام
15 ديسمبر 2010