المنشور

تقييد الحريات خطر داهم


تتواتر المعلومات عن توجّه سلطوي عازم جدّيّا على فرض المزيد من القيود على الهامش المتبقي من الحريات العامة، وذلك عبر تقديم الحكومة سلسلة من التعديلات في هذا الاتجاه على قانوني المطبوعات والنشر والإعلام المرئي والمسموع من شأنها تغليظ عقوبات الغرامات المالية المغلظة بالأصل في هذين القانونين، وتقديمها مشروع قانون يقيّد حرية النشر الإلكتروني على شبكة الانترنت، وإعادة تقديم مشروع حكومي سبق تقديمه لقانون للاجتماعات العامة، وهو لا يختلف كثيرا عن تلك المواد والأحكام، التي سبق أن قضت المحكمة الدستورية بعدم دستوريتها في المرسوم بقانون الحالي، اللهم إلا في بعض الصياغات المراوغة، بالإضافة إلى تقديم مشروع قانون بتجريم الإضراب عن العمل، وإعداد مشروع قانون يعيد إحياء محكمة أمن الدولة، التي سبق أن تم إلغاؤها.

ولئن كان صحيحا أنّ مثل هذا التوجّه السلطوي يحاول منذ السنوات الأولى للعمل بالدستور ولا يزال مستمرا في تكرار محاولاته الهادفة إلى التضييق على الحريات العامة، إلا أنّ الجديد في الأمر أنّ السلطة الآن تحاول استغلال بعض الحوادث الأخيرة والأعمال الاستفزازية غير المسؤولة، التي قد لا تكون بريئة منها تماما، وذلك لتبرير توجّهها غير الديمقراطي وتمرير مشروعات القوانين الحكومية المقيّدة للحريات… هذا بالإضافة إلى محاولة الاستفادة القصوى من التركيبة الحالية لمجلس الأمة لإقرار هذه المشروعات بقوانين باسم الديمقراطية وتحت غطاء الغالبية النيابية… ناهيك عن انتهاز حالة التفكك والتفتيت والاستقطابات الطائفية والفئوية والمناطقية، التي يجري تكريسها عن عمد داخل المجتمع الكويتي لإشغاله بها وإلهائه فيها، وفي الوقت ذاته يتم كذلك انتهاز حالة الضعف الراهنة، التي تعانيها القوى السياسية، وتحديدا التيار الديمقراطي.

وإذا نجح مثل هذا التوجّه السلطوي في تمرير مثل هذه المشروعات بقوانين فستُستكمل عملية إفراغ الدستور من مضامينه الديمقراطية، التي لم تتوقف أبدا، وفي الوقت نفسه ستتوافر الأرضية المناسبة والفرصة التاريخية السانحة لتمرير المشروع غير الديمقراطي الهادف إلى تنقيح نصوص مواد الدستور، الذي سبق أن تم رفضه، وهنا لن يختلف حالنا في الكويت عن حال البلدان الأخرى في منطقة الخليج، اللهم إلا في وجود عملية انتخابية شكلية ومؤسسة نيابية صورية ودستور مفرّغ من محتواه، أو بالأحرى ستكون حالنا أقرب ما ستكون إلى حال العديد من البلدان العربية الأخرى، من حيث الاستبداد المغلّف بالغطاء الدستوري.

وأحسب أنّه لا فائدة من التعويل على الموقف النيابي المختل في رفض هذا التوجّه، وإنما يمكن التعويل فقط على الدور المفترض للتيارات السياسية المختلفة ولمؤسسات المجتمع المدني ووسائل الإعلام الحرة وضرورة اتفاقها على العمل المشترك في التصدي للتوجّه السلطوي غير الديمقراطي، والتعويل المؤمل على تشكّل رأي عام شعبي واسع يدرك فيه المواطنون عموما، بغض النظر عن انتماءاتهم الطائفية والفئوية والمناطقية، ما سيلحق بهم وبحرياتهم وبحقوقهم وبمكاسبهم الديمقراطية من أضرار فادحة في حال إقرار مثل هذه التعديلات ومشروعات القوانين، التي لن يستفيد أحد منها سوى مراكز النفوذ في محاولتها لتثبيت سطوتها بعيدا عن الرقابة الشعبية، ومعها قوى الفساد للتغطية على سرقاتها المتواصلة في غياب الحسيب وضعف الرقيب.

جريدة عالم اليوم



عودة إلى مقال سابق

سبق أن نشرت لي “عالم اليوم” مقالا في عددها الصادر يوم 28 أكتوبر الماضي حمل عنوان “تقييد الحريات خطر داهم”… وأجد الآن أنّه من المناسب إعادة نشر هذه الفقرات المقتطفة منه، فلعلّ إعادة نشرها توضح لبعض الواهمين من حسني النيّة حقيقة أنّ نهج التضييق على الحريات، وبينها التضييق على حرية الإعلام، إنما هو نهج معتمد سلفا؛ جرى التخطيط له ويجري الآن تنفيذه.

وهذه هي الفقرات المقتطفة من مقالي السابق أعيد نشرها: “تتواتر المعلومات عن توجّه سلطوي عازم جدّيّا على فرض المزيد من القيود على الهامش المتبقي من الحريات العامة، وذلك عبر تقديم الحكومة سلسلة من التعديلات في هذا الاتجاه على قانوني المطبوعات والنشر والإعلام المرئي والمسموع من شأنها تغليظ عقوبات الغرامات المالية المغلظة بالأصل في هذين القانونين، وتقديمها مشروع قانون يقيّد حرية النشر الإلكتروني على شبكة الانترنت، وإعادة تقديم مشروع حكومي سبق تقديمه لقانون للاجتماعات العامة، وهو لا يختلف كثيرا عن تلك المواد والأحكام، التي سبق أن قضت المحكمة الدستورية بعدم دستوريتها في المرسوم بقانون الحالي، اللهم إلا في بعض الصياغات المراوغة، بالإضافة إلى تقديم مشروع قانون بتجريم الإضراب عن العمل، وإعداد مشروع قانون يعيد إحياء محكمة أمن الدولة، التي سبق أن تم إلغاؤها.

“ولئن كان صحيحا أنّ مثل هذا التوجّه السلطوي يحاول منذ السنوات الأولى للعمل بالدستور ولا يزال مستمرا في تكرار محاولاته الهادفة إلى التضييق على الحريات العامة، إلا أنّ الجديد في الأمر أنّ السلطة الآن تحاول استغلال بعض الحوادث الأخيرة والأعمال الاستفزازية غير المسؤولة، التي قد لا تكون بريئة منها تماما، وذلك لتبرير توجّهها غير الديمقراطي وتمرير مشروعات القوانين الحكومية المقيّدة للحريات… هذا بالإضافة إلى محاولة الاستفادة القصوى من التركيبة الحالية لمجلس الأمة لإقرار هذه المشروعات بقوانين باسم الديمقراطية وتحت غطاء الغالبية النيابية… ناهيك عن انتهاز حالة التفكك والتفتيت والاستقطابات الطائفية والفئوية والمناطقية، التي يجري تكريسها عن عمد داخل المجتمع الكويتي لإشغاله بها وإلهائه فيها، وفي الوقت ذاته يتم كذلك انتهاز حالة الضعف الراهنة، التي تعانيها القوى السياسية، وتحديدا التيار الديمقراطي.

واستنتجت في ذلك المقال أنّه “إذا نجح مثل هذا التوجّه السلطوي في تمرير مثل هذه المشروعات بقوانين فستُستكمل عملية إفراغ الدستور من مضامينه الديمقراطية، التي لم تتوقف أبدا… لن يختلف حالنا في الكويت عن حال البلدان الأخرى في منطقة الخليج، اللهم إلا في وجود عملية انتخابية شكلية ومؤسسة نيابية صورية ودستور مفرّغ من محتواه، أو بالأحرى ستكون حالنا أقرب ما ستكون إلى حال العديد من البلدان العربية الأخرى، من حيث الاستبداد المغلّف بالغطاء الدستوري.

والمؤسف أنّ الأحداث الجارية جاءت لتؤكد هذا المسار؛ ولعلّ التطورات المنتظرة خلال الأيام المقبلة ستقدم شواهد جديدة على ما سبق أن كتبت عنه.



جريدة عالم اليوم 12 ديسمبر 2010